للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأسأل نفسي عنها - وكان حسبي ما أنا فيه مما يستغرق جهد النفس - وأقول - في سري وبيني وبين نفسي - هل أنت تحبها؟؟ أواثقٌ أنت أن هذا هو الحب. . فتجيبني النفس أن نعم لاشك في ذلك، فأكر عليها معترضاً على هذا التأكيد وأقول: ولكنك لا تعرفها. . لا تعرف حتى اسمها. . وما رأيتها إلا عن بعد فماذا تحب منها. . لا تستطيع أن تدعي أنك واجد فيها غير صورة جسمية هي التي تتراءى لك من هذا البعد. ولعلها لو دنت قليلاً لطالعك منها ما لا ترتاح إليه، فالأرجح أنك تحب منها صورة ألفتها أنت من الألوان التي استعرتها منها. ولا شك أنك زدت هذه الألوان قوة وأضفت إليها من خيالك. ولو أنك كنت مصورا وحاولت أن ترسم لها صورة من ذاكرتك لما استطعت أن تثبت شيئاً من ملامحها، ولجاء الرسم لمخلوق من مخلوقات خيالك أنت، وإن كان لا يخلو من شبه بذات الثوب الأرجواني. فحتى الصورة المادية - أو الجسمية - التي تبدو لك ليست ثابتة ولا مقررة في نفسك، لأن الصور لا تثبت خطوطها وألوانها على مثل هذا البعد. ومن السهل أن تُعَفي علها وتمحوها صور أخرى تكون أثبت لأنها تكون أقرب فأقدر على التأثير وأنفذ بسبب القرب إلى أعماق النفس والاستقرار فيها. ولو أن صورة ذات الثوب الأرجواني كانت عميقة الأثر في نفسك ومنقوشة بألوانها وخطوطها المميزة لها على صدرك، أكنت تظن أن في وسعك أن تتسلى كما تتسلى الآن بهذه الفتاة أو تلك ممن تعرف؟؟ أكان يمكن أن ترتاح إلى وجود غيرها وإن كنت تزعم أنك تتسلى؟؟ لا يا صاحبي!. . وحسبك أن تسأل نفسك بأي شيء تذكرها. . ماذا في نفسك منها غير صورتها في النافذة كما تستطيع أن تراها على بعد ثلاثين مترا!؟ لو كنت كلمتها رأيت ابتسامتها ونظرة عينيها ومنطق وجهها وتعبير محياها، وكنت تكون إذ ترق وتحنو، وحين يسرها شئ، وعندما تبدو عليها اللهفة أو الجزع أو الاضطراب، والزهد في شيء والرغبة في آخر، وحينما تتدلل أو تسخو، وإذ تضحك أو تتجهم!! لو كنت رأيت شيئًا من ذلك لامكن أن تقول انك عرفتها وأحببتها، ولكان لحبك لها غذاءٌ ومددٌ من ذكريات هذه الحالات المختلفة. . أما الآن فبماذا يتغذى حبك؟؟ على أي شيء يعيش؟؟ بأي شيء تذكرها إذا غابت عنك. . . بصورة هي أشد غموضاً من الرسم الفوتوغرافي وأخفى منه تعبيرا؟؟ وهي مثلك. . . أتزعم أنها توليك عناية واهتماما، وأنها تفكر فيك، وأنها لا تفتأ تنظر إليك؟ فما يدريك أن هذا ليس من باب

<<  <  ج:
ص:  >  >>