للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السطحية.

ثم عرض للأشياء التي يجب أن تمدح في الممدوح محللاً إياها تحليل الفيلسوف الذي لا يسمح بعبث في الفضيلة، ولا بتلاعب في الحقيقة. هو يريد من الشعراء أن يتبعوا هذه الحقيقة، وأن يبرزوا من الممدوح الصفات التي يتحلى بها. . . وإنما تمدح العادات الخيرة والفاضلة، والعادات اللائقة بالممدوح والصالحة له، وذلك أن العادات التي تليق بالمرأة ليست تليق بالرجل. وأن تكون مما يشابهه وأن تكون معتدلة متوسطة بين الأطراف، ثم لا يورد الشاعر في شعره من المحاكاة الخارجية عن القول إلا بقدر ما يتحمله المخاطبون من ذلك حتى لا ينسب إلى الغلو والخروج عن طريقة الشعر. وكما أن المصور الحاذق يصور الشيء بحسب ما هو عليه في الوجود حتى إنهم قد يصورون الغضاب والكسالى مع أنها صفات إنسانية، كذلك يجب أن يكون الشاعر في محاكاته يصور كل شيء بحسب ما هو عليه حتى يحاكى الأخلاق وأحوال النفس ومن هذا النوع من التخيل قول أبي الطيب يصف رسول الروم الواصل إلى سيف الدولة:

أتاك يكاد الرأس يحجز عنقَه ... وتنقد تحت الذعر منه المفاصل

يقوم تقويم السماطَيْن مشيَه ... إليك إذا ما عوَّجته الأفاكل

ينتهي أبن رشد من مقارناته، ويذكر أن شذوذ العرب في كثير من هذه القوانين الشعرية. ويقول مع أبي نصر الفارابي: (وأنت تعلم من هذا أن ما شعر به أهل لساننا من القوانين الشعرية هو نزر يسير) وفي الحق يتبين لنا هذا الشذوذ كثيراً عند دراستنا للشعر العربي دراسة نقدية كما يتصورها أبن رشد، وذلك عائد إلى جهل العرب لهذه القوانين، وإما إلى أن هذه القوانين لم تلائم طباعهم. وهذا القول أرجح عندي لأن الأمة لا يمكنها أن تخلق لشعرها قوانين قبل أن يكون لها شعر!!! وأن شعرها الذي نسوقه هو الذي يخلق قوانين نقدها! إلا إذا أرادت أن تحاكي أمثلة سواها، وأن تقبل التأثر بقوانين غيرها. . . وإننا لن نغلو في التشيع لهذه القوانين لأننا نراها قوانين إذا أفادت مرة فقد لا تفيد كثيراً. . . والعبقرية في الشعر تستلهم نفسها ولا تستلهم قوانين. ولكن ذها لا يصرفنا عن القول بأن هنالك قوانين إذا لم يحترمها الشاعر عاد عليه ذلك بالفساد. وإنما أبلغ سقراط حين شبه الشاعر بالمصور، فليس المصور ذلك الذي يمنح صور الأشياء، أو يخلق أشياء غريبة لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>