للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من الخشب ونحتها وتسويتها وإرهاف حدها الذي لا يقطع شيئاً، ثم وضعها في أيدي العلماء يعتلون بها ذُؤابة كل منبر لتتعلق بها العيون وتشهد فيها الرمز والعلامة، وتستوحى منها المعنوية الدينية التي يجب أن تتجسّم لتُرى؟

أفي سيفٍ من الخشب معنوية غير معنى الهزل والسخافة وبلاهة العقل وذلة الحياة ومسخ التاريخ الفاتح المنتصر، والرمز لخضوع الكلمة وصبيانية الإرادة؟

قال: وكان تمام الهزء بهذا السيف الخشبي الذي صنعته وزارة أوقاف المسلمين أنه في طول صَمْصَامة عمرو بن معد يكرب الزبيدي فارس الجاهلية والإسلام فكان إلى صدر الخطيب، ولولا أنه في يده لظهر مقبضه في صدر الرجل كأنه وسام من الخشب. . .

قال: وكان الخطيب إذا تكلّف وتصنّع وظهر منه أنه قد حَمِيَ وثار ثائرة - ارتجّ وغفل عن يده فتضطرب فيها قبضة السيف فتلكزه في صدره كأنما تذكره أن في يده خشبة. . . لا تصلح لهذه الحماسة.

قال: وخطب العالم على الناس، وكان سيفه الخشبي يخطب خطبة أخرى؛ فأما الأولى فهي محفوظة معروفة ولا تنتهي حتى ينتهي أثرها إذ هي كالقراءة لإقامة الصلاة، وكانت في عهدها الأول كالدرس لإقامة شأن من شؤون الاجتماع والسياسة، فبينها وبين حقيقتها الإسلامية مثل ما بين هذا السيف من الخشب وبين حقيقته الأولى. وأما الخطبة الثانية فقد عقلتُها أنا عن تلك الخشبة وكتبتها وهذه هي عبارتها:

ويحكم أيها المسلمون! لو كنتُ بقية من خشب سفينة نوح التي أنقذ فيها الجنس البشري لما كان لكم أن تضعوني هذا الموضع، وما جعلكم الله حيث أنتم إلا بعد أن جعلتموني حيث أنا، تكاد شرارة تذهب بي وبكم معاً لأن فيَّ وفيكم المادة الخشبية والمادة المتخشبة.

ويحكم! لو أنه كان لخطيبكم شيء من الكلام الناري المضطرم لما بقيت الخشبة في يده خشبة. وكيف يمتلئ الرجل إيماناً بإيمانه، وكيف يصعد المنبر ليقول كلمة الدين من الحق الغالب وكلمة الحياة من الحق الواجب - وهو كما ترونه قد انتهى من الذل إلى أن فقد السيف روحه في يده؟

أيها المسلمون! لن تفلحوا وهذا خطيبكم المتكلم فيكم إلا إذا أفلحتم وأنا سيفكم المدافع عنكم؛ أيها المسلمون غيِّروه وغيروني.

<<  <  ج:
ص:  >  >>