للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المستشرقين نكتفي بأن نشير إلى رجال القرن العشرين، ونخص بالذكر منهم جولد زيهير النمسوي الذي عقد للتصوف فصلاً ممتعاً في كتابه (عقيدة الإسلام وقانونه) بجانب أبحاث أخرى قيمة؛ والأستاذ مكدونلد الأمريكي الذي وضح كثيراً من آراء الغزالي الصوفية، والأستاذ نكلسون المدرس بجامعة كمبردج، والأستاذ ماسنيون المدرس بكليج دي فرنس، والدكتور محمد إقبال العالم الهندي المشهور؛ وعلى رأس هؤلاء جميعاً أن نضع نكلسون وماسنيون، فانه يرجع إلى الأول الفضل في نشر كثير من مخلفات الصوفية القيمة والتعريف عنها؛ أما أستاذنا ماسنيون فقد رسم في التصوف طرائق جديدة، وقدم لنا الحلاج صورة غنية بالألوان والمعاني الدقيقة في كتاب يعد أوسع مؤلف في تاريخ التصوف الإسلامي.

غير أن آراء فلاسفة الإسلام الصوفية لم تدرس بعد ولم توجه إليها العناية التي تستحقها. حقاً إن مهرن المستشرق الدنمركي، تنبه إلى بعض مؤلفات ابن سينا الصوفية، وقام بنشرها وترجمتها. كما أن البارون كارادي فو لمح لدى الفارابي نزعة صوفية واضحة. إلا أن هذه الأبحاث ناقصة وغير ناضجة. وعلى هذا لا زلنا نجهل أفكار فلاسفة الإسلام الصوفية كما نجهل نظرياتهم الفلسفية بالمعنى الدقيق. وكل ما نرجوه أن نكشف الغطاء عن هذه الناحية وأن نوجه الأنظار إليها.

إذا شئنا أن نعرف أقدم صورة للأفكار الصوفية عند فلاسفة الإسلام، وجب علينا أن نصعد إلى أبي نصر الفارابي. فانه أول من صاغ الفلسفة الإسلامية في ثوبها الكامل ووضع أصولها ومبادئها. نحن لا ننكر أن الكندي تنبه قبله إلى دراسة أفلاطون وأرسطو وعرض لبعض نظرياتهما بالشرح والاختصار؛ ولكنا لا نجد لديه مذهباً فلسفياً كاملاً بكل معاني الكلمة، بل هي نظرات متفرقة ومتعلقة بمواضيع مختلفة لا رابطة بينها. أما الفارابي فقد لم هذا الشعث وأقام دعائم مذهب فلسفي متصل الحلقات. ومن أهم أجزاء هذا المذهب وعلى قمة هذا البناء نرى نظرية صوفية امتازت بها الفلسفة الإسلامية من كثير من الفلسفات الأخرى. فالتصوف إذن قطعة من مذهب الفارابي الفلسفي لا ظاهرة عرضية كما يزعم كارادي فو. ولا أدل على هذا من أن هناك رباطاً وثيقاً يربطه بالنظريات الفارابية الأخرى نفسية كانت أو أخلاقية أو سياسية. وقد أثر هذا التصوف تأثيراً عميقاً فيمن جاء بعد من

<<  <  ج:
ص:  >  >>