للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم أصح الا على صوت يناديني من السفح. وكان الليل بدأ يرخي سدوله والقطيع أخذ يزاحم بعضه بعضاً ليدخل الحضيرة. وبينما أنا أفتش عن مكان الصوت ظهرت أمامي فجأة الآنسة ستيفانيت، ولكن بغير الهيئة التي قابلتني بها في المرة الأولى. قابلتني وهي ترتجف من البرد والخوف، وأثوابها مبللة، فعلمت حينئذ أن فيضان نهر (السورغ) في الوادي بعد تلك العاصفة الشديدة أخذ عليها الطريق، فخافت على نفسها إن هي اجتازته. والأغرب من ذلك أنها ساعة ودعتني ما كان يجب عليها أن تفكر في الرجوع إلى المزرعة، وما كان بإمكاني ان اترك القطيع وحده لأرافقها في طريقها الوعر.

ويظهر أن فكرة الإقامة هذه الليلة في الجبل كانت تزعجها ولا سيما عندما كانت تفكر في قلق أهلها عليها. فكنت أهديء من روعها واطمئن بالها بما أستطيع اليه سبيلا. واذكر أني قلت لها أن ليالي يوليو قصيرة، وان السماء يصفو أديمها بعد حين.

وأشعلت النار بسرعة وأخذت أدفئ قدميها وأجفف أثوابها. ثم قدمت اليها شيئا من الجبن والحليب. ولكنها لم تكن لتفكر في الدفء ولا في الأكل تلك الساعة، واسترسلت في النحيب حتى كدت أبكي لبكائها.

ولما أرخى الليل سدوله تماما ولم يبق على قمة الجبل غير شعاع حائل من الشمس، والا قطفة من نور في حواشي الأفق؛ أمسكت بيد الآنسة وأدخلتها المراح لتستريح، فتمددت على فروة ناعمة الصوف كنت قد فرشتها على القش الطري، ثم خرجت من عندها لأجلس لدى الباب متمنيا لها ليلة سعيدة. . .

ويشهد الله أني لم تخامرني فكرة سيئة قط، بالرغم من نار الحب المتأججة في دمي. ولكني كنت فخوراً جداً لأن في زاوية من المراح تنام في حراستي ابنة سيدي كأنها نعجة أثمن من تلك النعاج التي ترمقها بنظرات الاهتمام وأشد منها بياضا.

والحق يقال إنني لم أرَ السماء من قبل بمثل هذا الصفاء الذي رأيتها به في تلك الليلة. ولا النجوم بمثل هذا النور الساطع الذي كانت ترسله. .

وفجأة فتح باب المراح: وظهرت منه ستيفانيت. فالغنم كانت تزعجها بأصواتها فتمنع عنها لذة النوم. لذلك أحبت ان تأتي قرب النار. ولما لاحظت منها ذلك وضعت معطفي على كتفيها وأرّثت النار ثم أدنيتها مني. وبقينا مدة جالسين جنبا إلى جنب لا نجد حديثا نفتحه

<<  <  ج:
ص:  >  >>