للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

له النوافذ جميعاً، فقال لي بعد برهة: (أنظر. .) فسألته (ماذا؟) قال (هذه النافذة. . ألا ترى الفتاة التي تبدو منها؟) قلت: (إنك بعيد النظر. . وأنا أعترف أني لا أرى فتاة وإنما أرى ذراعاً) قال: (هذا ما أعني. . لا يبدو منها الآن إلا ذراعها ولكنها كانت منذ لحظة تطل علينا وتنظر إلينا). قلت: (جائز. . كل شيء جائز. . صحيح إن العمارة التي نحن فيها سبع طبقات. . أو عشر. . لا أدري. . وفي كل طبقة شقق كثيرة. . ولكل شقة نوافذ وشرفات لم أعدها. . وقد يكون في بعض هذه النوافذ والشرفات التي لا نراها رجال يطلون منها. . ولكن المعقول أن الفتاة التي لا أزال لا أرى منها غير ذراعها - تنظر إلينا نحن دون هذا الخلق الذي لعله في الشرفات والنوافذ ونحن لا ندري

قال: (لا تمزح. . إن نظرتها إلينا نحن. . وهل يخفى اتجاه النظر؟)

قلت: (ما يدريني ويدريك؟. ألا يمكن أن تكون حولاء؟؟ تعرف كيف ينظر الأحول!؟ تكون عينه عليك ولكنه لا يراك بل يرى الذي إلى اليمين أو إلى اليسار. . أليس هذا جائز؟)

قال: (حولاء؟؟ كلا!! من قال هذا؟؟ كلام فارغ!! إن عينيها جميلتان جداً)

قلت: (معذرة! إني - كما تعلم - لم أر سوى ذراعها. . وعهدي بالعيون تكون في الوجوه لا في الذراع. وأظن أن هذا النظام لا يزال هو المتبع في الخلق. . . على كل حال لم أر عينيها الجميلتين. . .)

قال: (والله إنها تنظر إلينا)

قلت: (صادق. . صادق. . . هذه أصابعها تنقر على حافة النافذة ولا شك أنها تعنينا الآن. .)

فقال: (دع المزاح بالله. . أنظر. . أنظر. .)

فنظرت. . وكففت عن المزح بلا حاجة إلى زجر آخر. . وكانت الفتاة سمراء - لا بيضاء كذات الثوب الأرجواني - وكانت نظرتها إلينا - لا شك في ذلك - والرجل يدير رأسه أن يرى امرأة تُتْئره النظر ولا تكاد تحول عينها عنه. فإذا كنت قد نهضت إلى النافذة وأخرجت رأسي منها ورحت أحدق في هذه السمراء الجميلة التي تقبل عليه ولا تعرض عنا أو تتدلل علينا، فأظن أن لي العذر. . ومن أين لي أن أعرف أن ذات الثوب الأرجواني كانت واقفة في هذه اللحظة وأنها كانت تراعيني وتراقبني؟؟ ولو كنت أعرف

<<  <  ج:
ص:  >  >>