للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعرض لذكر المجوس ومذهبهم في نكاح الأخوات حين أراد الثناء على حسن امرأة ود أخوها لو كانت تحل له لفرط جمالها فقال:

يا أخت معتنق الفوارس في الوغى ... لأخوك ثَمّ أرق منك وأرحم

يرنو إليك مع العفاف وعنده ... أن المجوس تصيب فيما تحكم

ووقع في شعره ذكر كلمة يصح أن يتعلق بها من يريد جر أبي الطيب إلى طائفة ما، وهي كلمة (الوصيّ) في قوله:

هو ابن رسول الله وابن وصيه ... وشبههما شبهت بعد التجارب

وقوله:

وتركت مدحي للوصي تعمداً ... إذ كان نوراً مستطيلاً شاملاً

وقد فرغت من بيان أن مثل هذا لا يدل على شيء، ولا ينهص دليلاً ولا بعض دليل، لجريان عادة الشعراء بمجاراة الممدوح في عقيدته ورأيه

وبعد، فإن لم يكن للحكم على دين المتنبي مجال في شعره، ففي تلك الشناعات القبيحة التي زجه فيها الغلو في المدح حتى قل أدبه مع الله ومع رسله وكتبه، حين زعم لممدوحيه علواً يرفعهم إلى ذلك المستوى. والمدح متى جاوز الواقع فهو محظور في كل الأديان فكيف إن بالباطل وإلى التغالي. دع ما يريق من ماء وجه المادح وما يكسر من عزته ويضيع من كرامته. ومتى كان مسلما من لا حياء له ولا عزة ولا كرامة؟

وودت والله لو أن شعراءنا هجروا هذا الباب، باب المديح، مرة واحدة بمحاسنه ومقابحه، وشغلوا عنه بغيره من فنون القول الواسعة، فما هو بالفن المشرف ولا المأسوف عليه إن فقد. وقد حفظ الأدب العربي كثيراً من المبالغات الممقوتة والغلو الشنيع، ولكن ما في ديوان أبي الطيب وحده هو بكل ما في مكتبتنا قبحا وشناعة وإساءة أدب:

مرة يحاول السجود لممدوحه فلا يكفه إلا الزجر:

طلبنا رضاه بترك الذي ... رضينا له فتركنا السجودا

ومرة يشرك هذا الممدوح بالله فيقول:

ما يرتجي أحد لمكرمة ... إلا الإله وأنت يا بدر

ويقول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>