للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعصابها كلما رأت أبويها يسعيان لتوفير الزينة والدلال لأختيها، ولاسيما بعد أن رأياهما تستويان على عرش الأنوثة والجمال

ولا تسألي يا عزيزتي عن أحزان هاجر حين كانت تختصها أمها بتدبير المنزل والخياطة لأختيها، وإعداد ما تستطيع من الجهاز لهما، خشية أن تخطبا معا ويضيق الوقت عن تهيئة المعدات اللازمة في حياتهما العتيدة

وكانت هاجر تنمو آلامها وتشتد، وتحس الغصة تقطع نياط قلبها، وكثيراً ما خلت إلى نفسها، وتحدثت عن جدها العاثر عند والديها، فتلعن الجمال الذي بدا على أختيها، فحرمها الدلال وجعلهما تستأثران بعناية الأم واهتمام الأب

وأخذ شعورها يطغي على نفسها فلا تستطيع إلى كبته سبيلا، ولاح الوجوم في وجهها، وكان تفكيرها في دمامتها يبعث في روحها القلق والعذاب

كانت تناجي ربها حين تلجأ إلى فراشها وتحاول النوم فلا يرنق في عينيها، فتستعرض مظاهر الاهتمام بأختيها وإهمال أمها لها فتطفر الدموع من عينيها حزناً على حياتها الجافة البغيضة. وا رحمتاه لهاجر! كم كانت تتكلف الهناءة والهدوء أمام والديها وأختيها فتتظاهر بالانشراح لخطبتهما!

وكان لسوء مصيرها أن تلألأ حظهما وتكاثر الأخطاب، ففي عصر يوم جاء بيتهن ثلاث نسوة فاستقبلتهم الأم وهاجر بملابس البيت وأوعزت الأولى إلى سعاد ومليحة بأن تتزينا بأحسن ما عندهما من اللباس الجديد وتتضمخا بأزكى العطور، وما استقر المقام بالسيدات حتى أقبلت مليحة وسعاد وكأنهما عروسان ليلة الزفاف، فلما رأينهما بهرتاهن وعلقت بهن أنظارهن، فتجاذبن أطراف الحديث بسهولة وسرعة كأنهن صديقات العمر، وبعد قليل طلبت إحداهن من الفتاتين شربة ماء، ولم يكن بها ظمأ ولا حاجة إلى نقع غلة، بل كان مرامهن جميعاً، أن يرين انقلابهما بالمشي وانتقال أرجلهما على الأرض، وأن ينعمن النظر في طولهما وحركاتهما

كل هذا حدث وهاجر المسكينة جالسة إلى جانب أمها تنظر الحظ يضحك لأختيها ويقهقه، وتفكر في نفسها فترى حظها عابساً مكفهراً، ثم أخذت تطالع في عيون الخاطبات ومضات الافتتان والإعجاب بأختيها، فلم يسعها البقاء في الغرفة فخرجت منها خشية أن تهي إرادتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>