للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مخيلتها صور من الأحلام والآمال تكبح جماح نقمتها وتبعث في نفسها قليلاً من الاطمئنان، ثم تقوم إلى كتبها فتواسيها بحوثها وتسليها وتبحث فيها عن مآسي الحب والحياة، ولبثت ردحاً من الزمن تساورها الأماني برغم ما كان يبعدها من الواقع عن تحقيقها فتلمست في هذه الظاهرة الجديدة لوناً من العزاء والجمام

لقد صبرت هاجر بضع سنين انقلب عزاؤها بمرور الأيام ثورة نفسية أليمة جعلتها غريبة الأطوار قليلة الكلام، فأهملت العناية بألبستها وتسريح شعرها الذي عدا عليه الشيب كما أنها هجرت الاكتحال والصباغ وغارت عيناها وبرز جبينها المستدير وبدا في وجهها الشاحب ما يبدو للمراهق الطرير

عاشت هاجر البائسة في هذه الحقبة القصيرة يغمرها يأس عاصف وتصدمها الحقيقة الواقعة، ثم عبثت يد السآمة برغبتها في المطالعة فأعرضت عنها ونشدت السلوة في المتنزهات القريبة

كانت أمها تشهد اضطرابها وتديم التأمل والتفكير فيها، وتطالع في عينيها إمارات القلق والنقمة فتحس في نفسها عذاب الضمير لأنها كثيراً ما حالت دون خطبتها بشتى المعاذير، فكانت ترد أخطابها دون علمها؛ وكان هاجر إبان ذلك في ميعة العمر وريق الشباب، فأدركت الأم أن أنانيتها الحمقاء هي التي كانت تسول لها الازدراء بفتاتها الكبرى كلما أسرعت بها الأعوام حتى آثرت أن تبقيها عزبة لخدمة شيخوختها، ولولا أثرتها وإهمالها لكانت هاجر مثل أختيها زوجاً سعيدة وأما حنوناً

وطغى على روح الأم شعور الندم، وران عليها الغم والاكتئاب، فأحبت أن تكفر عن خطيئتها بتوفير الخدمة والمداراة لهاجر، وترغيبها في ممارسة التعليم الخاص في بيتها وزيارة صديقاتها

واستمرت السنون في سيرها فمات أبوها ولم يترك لها ما يؤمن معيشتها، وبقيت أمها عندها، أما أختاها فشغلهما عنهما الزوج والأولاد، وكان لكل منهما حماة غاشمة لئيمة، لا ترتاح لزيارة الأم والأخت لها، فأهملت المتزوجتان أمهما لئلا تعصف في بيتهما عواصف السوء والأحقاد

وفي جو هذا العيش الغائم الخانق كانت هاجر تناقش نفسها في مصيرها فرأت من الحكمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>