للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جانبيه التلال الشاهقة، وفي أسفلها الغابات والأحراج والمراعي الخضراء الرطبة.

نزلت في (سان كلو) وتخطيت مسرعاً القرية الصغيرة ثم أشرفت على الطريق الذي سيقودني إلى الغاب، وكان معي خريطة لباريس وما يجاورها، ولذا فلن أضل الطريق إذا وليت وجهي شطر إحدى هذه الطرق الصغيرة التي لا تعد والتي تؤدي على اختلاف امتدادها إلى الأحراج. وبعد فحصها رأيت أنه علي أن أتيامن ثم أتياسر ثم أنعطف إلى اليسار ثانية إذا وجب أن أصل فرساي وقت العشاء.

سرت متمهلاً أسحق الأوراق الجافة بقدمي وأنشق الهواء العليل المعطر ناسيا كل ما يتصل بالمكتب والعمل والرئيس، وفكرت فقط في المستقبل المجهول الذي سيزاح لي ستره، والذي فيه كثير من الجمال المحتمل. وذكرتني بساطة الريف عهد الطفولة وجعلتني أشعر حقاً بأنني رجعت إلى الحياة طفلاً. فهناك نفس الزهور التي كنت أرى مثلها يانعة حول باب منزل أمي الصغير والحشرات التي في لون اللهب وهي تنساب متثاقلة على أنصال العشب الذي ينحني تحت ثقلها الضئيل.

أخذتني عيناي، وحملت بكل هذه الأشياء، ولما قمت كنت منعشاً تماماً وواصلت رحلتي. امتدت أمامي طرق جليلة من نبات السرخس وقد خطط بصف من زهر الكاميليا الأبيض الطويل. وهنا تبينت في نهاية الطريق شخصين قادمين نحوي، رجلاً وامرأة، ودار بذهني أنني سمعت من ناداني فحنقت على هذا التطفل الذي عكر علي صفو وحدتي الهادئة. وكانت المرأة تلوح بمظلتها والرجل في قميصه ذي الأكمام حاملاً معطفه على ذراعه ومشيراً لي.

استدرت وانتظرتهما وكانت المرأة تسير بخطوات سريعة قصيرة. أما الرجل فأفسح المجال لقدميه وكان يلوح عليهما الضجر والتعب.

تكلمت المرأة أولاً:

(سيدي. . . هل لك أن تتكرم بإخبارنا أين نحن؟ قال زوجي إنه يعرف كل فتر الريف المحيط ومع هذا فقد ضللنا الطريق!.)

(سيدتي أنت قادمة من فرساي وفي طريقك إلى سان كلو)

والتفتت إلى زوجها بحقارة:

<<  <  ج:
ص:  >  >>