للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أرفيوس الموسيقي يشنف آذان أهل الجنة بقيثارته. ثم رأى إينياس في أولئك الأبرار مؤسسي طروادة وأبطالها الأطهار الذين حاربوا الهيلانيين وعليهم حلل الإستبرق والغار، ومعهم أرواح كثيرة مطهرة من القديسين والشهداء والشعراء الذين نظموا قصائدهم في تمجيد أبوللو. وآخرين زانوا الحياة الدنيا بعلومهم وفنونهم وقدموا يداً بيضاء لإخوانهم في الإنسانية. وكان هؤلاء يلبسون طيلسانات بيضاً وقراطق من حرير، وقد سألتهم سيبيل إذا كان أنخيسيز (والد إينياس) بينهم، فأذنوا لها أن تبحث عنه بين جموعهم الزاخرة؛ ثم لقيته في واد نضير ذي فواكه وأثمار فعرفه ابنه، ومد الوالد ذراعيه يعانق ولده والدمع ينهمر على خديه ويروي لحيته: (وأخيراً أتيت يا إينياس! يا ولدي! كم حنت روحي إليك وكنت في خشية عليك مما أعرف من حياتك التي تلطخها دماء الحروب ويغطشها قتار المعامع!) فيجيبه ابنه (أبتاه! ليفرخ روعك فإن صورتك كانت أبداً ماثلة نصب عيني فكانت تقودني إلى الخيرات وترشدني إلى الصالحات!) ثم يحاول أن يعانق أباه، ولكن. . . إنه لم يعانق إلا شبحاً!!

ونظر إينياس فرأى وادياً مخضلاً سامق الشجر بليل النسيم يجري من تحته نهر ليث العظيم، وفي جنباته أمم شتى من أرواح الصالحين كثرت كثرة هائلة حتى لكأنها أسراب النحل في إبان الربيع. ويسأل صاحبته عن هؤلاء فتقول سيبيل: (أولئك أرواح المؤمنين تنتظر يوم البعث فتعود إلى أجسادها فتلبسها وهي تشرب النسيان من ليث ليشغلها عن توافه الحياة الدنيا!).

ويسأل أباه إينياس فيقول: (أبي ألا تكون الحياة الدنيا محببة عند أحد من هؤلاء فيؤثرها على ما هو فيه الآن من طيبات فهو يود لو يعود إليها؟) وهنا يأخذ الأب في شرح طويل عن بدء الخلق وعن العناصر التي صنع الله منها العالم (النار والهواء والأرض والماء) وأن هذه باتحادها ينشأ عنها اللهب الذي صنع الله منه الأرواح العلوية وقد انتثرت بذرة من اللهب المقدس فاختلطت بالأرض فصنع منها الآلهة السفليون الإنسان والحيوان وكلما كبر الإنسان قلت فيه بذرة اللهب المقدس وصغرت وخبثت نفسه لأن كمية الطين تزداد فيه ولذا تجد الأطفال لصغرهم ولقلة كمية الطين فيهم أكثر طهراً وأجم نقاء من الكبار. ولا بد للعبد المؤمن قبل دخول الجنة من إزالة الطين الذي اندس فيه وذلك بترويحه في الهواء، أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>