للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الطيب إلى اليوم. يريد بذلك أن يرضي خصوم أبي الطيب أو يشبع شهوة الانتقام منه، وأراد أن يعمي على الناس ويحملهم على تصديقه، فذكر في صدر حديثه أنه بلا منه ثلاث خلال محمودة، وهذه العبارة فيما نعلم من أمر الناس إحدى الدلائل على اختلاق الحديث. هذا وقد ذكر أبو العلاء في شأن صلاة أبي الطيب قال: (وحدثت أن أبا الطيب أيام كان اقطاعه بصف رؤى يصلي بموضع بمعرة النعمان يقال له كنيسة الأعراب، وأنه صلى العصر ركعتين، فيجوز أن يكون رأى أنه على سفر وأن القصر له جائز) فهل يمكن أن يكون خبر علي بن حمزة بعد ذلك موثوقاً به؟ فأما تأول المتنبي وأنه رأى أن القصر له جائز فأمر آخر ليس بحثه من شأننا الآن؛ وقراءة القرآن التي زعم علي بن حمزة أن أبا الطيب لم يفعلها أفي الناس من يعقل أن رجلاً نشأ على حفظ اللغة واستظهار غريبها، والتنقل في البوادي ليلقطها من أفواه الأعراب يجد القرآن بين يديه وهو كتاب لغة وأسلوب وفكر، فوق أنه كتاب هداية وخلق وآداب، ثم لا يقرأه ليتأسى به ويتقيل أساليبه ويتخذ من اطراد منطقه وإحكام الحجة فيه منهجاً لنفسه؟ ونحن نذكر لعلي بن حمزة أن أبا الطيب قد قرأ القرآن وفهمه، ونذكر له مما يشير إلى ذلك قوله من قصيدة يمدح بها كافوراً:

كأن كل سؤال في مسامعه ... قميص يوسف في أجفان يعقوب

وقوله من قصيدة يمدح فيها محمد بن زريق الطرسوسي:

لو كان ذو القرنين أعمل رأيه ... لما أتى الظلمات صرن شموسا

أو كان لج البحر مثل يمينه ... ما انشق حتى جاز فيه موسى

فأما ما ذكروه من استخفافه بالأنبياء واستصغاره شأنهم وعدم مبالاته بأصول العقيدة، فقد رأينا فيما جمعناه من كلام أبي الطيب مما هو متصل بهذه المسألة أن بعض ما ذكروه أهون من أن يؤبه له كقوله:

ما مقامي بأرض نخلة إلا ... كمقام المسيح بين اليهود

وكقوله:

إنا في أمة تداركها الله ... غريب كصالح في ثمود

وأي شيء في أن يشبه نفسه وهو يقيم بين قوم يعتقد أنهم أعداؤه بالمسيح عليه السلام حين أقام بين اليهود؟ وأي شيء في أن يدل على أن بقاءه بين قوم لا تجانس بينه وبينهم غربة

<<  <  ج:
ص:  >  >>