للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

افتراس هذا الذي دخلها عليه وإن كان سيده وصاحب الفضل عليه.

وقد لقيت من قطط الجيران الأمرين فما أحب القطط كما أسلفت. وما أكثر ما يحدث أن أنسى نافذة مفتوحة أو باباً موارباً فيدخل القط ويمضي إلى أواني الطعام ويكشف عنها الغطاء - أي والله ولو كانت من النحاس الثقيل - ويلتهم كل ما بقى. . . . وقد كان لي جيران ما رأيتهم قط ينامون إلا بعد أن يغلقوا الأبواب والنوافذ جميعاً. وكنت أضحك إذ أسمع رب بيتهم يصيح في الليل - والصوت في الليل يسري - (يا حنيفة. . هل أغلقت باب المطبخ؟) فتصيح حنيفة من مرقدها والنوم يغالبها: (أيوه يا سيدي. . .) فلا يقتنع ويخشى أن يكون الكسل قد أغراها بالكذب فيقول (يحسن أن تقومي وتستوثقي) وبعد قليل أسمعه يؤنبها ويقول لها (ألم أقل لك. . هذه النافذة لم تكن محكمة الإيصاد. . . وهذا الباب. . . انظري. . . لو دفعه إنسان بيده لانفتح) فتحلف أنها أوصدت كل الأبواب والنوافذ فيقول (لا يا بنتي. . . دوري قبل النوم على كل الأبواب وكل نافذة وامتحني كل منفذ بيدك لتتحققي) وكنت أعجب لهذا المتفزع وأسأل نفسي عما يخيفه وهو في عمارة لها بواب لا ينام إلا بعد أن يدخل كل السكان ثم يغلق بابها بالمفتاح ويضعه - أعني المفتاح لا الباب - في جيبه. فإذا تأخر أحد السكان احتاج أن يدق ويقرع الباب. . ثم زال عجبي لما بلوت قطط الجيران. . وأيقنت أنه لا يخاف اللصوص وإنما يخاف القطط. . وله العذر.

والعامة تعتقد أن للقط سبع أرواح وما أظنهم إلا صدقوا، ومن كان يشك في ذلك فليتأمل كيف يسقط القط من فوق السطح العالي فلا يزيد على أن ينظر يمنة ويسرة - فأن في القطط تحرزاً شديداً - ثم ينهض ويمضي كأنما كان قد انحدر على بساط كهربائي. وتضربه بالحجر فلا يهيضه بل يرتد عنه. وهو مثال الفردية الصارخة والأثرة المجسدة. وما رأيت قطتين اتفقتا قط، وما اجتمع قطان في مكان إلا تحفزاً للقتال فترى كلا منهما قد رفع ذيله وقوس ظهره وراح يجس الآخر بعينه وهو يزوم ويقول: (واوووووووو) ويدور حوله ليغافله وينشب فيه أظفاره. والقطة هي الدابة الوحيدة التي تأكل صغارها فتأمل ذلك. ومن كان يعرف أن حيواناً مستأنساً آخر يفعل ذلك فليخبرني فإن العلم بهذا ينقصني.

ومن غرور القط أنه يعتقد أن ريقه تريق، فتراه يضطجع على جنبه ويلوي عنقه ويقبل على شعره بلسانه يلحسه ولا يخجل أن يستحم على هذا النحو أمام الناس، بل لعله يباهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>