للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بذلك ويفخر قبحه الله؛ وهو مفطور على الغدر والخيانة فلا أمان له ولا اطمئنان منه لأحد من الخلق ولا لشيء من الأشياء فهو لهذا سيئ الظن، حتى إنك لتراه إذا صار على رف أو لوح من الخشب يخطو كأنما هو يمشي على الجمر فيضع كفاً وينتظر ويخيل إليك من وقفته أنه يختبر المواطئ بكفه ويقدر مبلغ ثباتها وقدرتها على احتمال ثقله. ثم يمد يده الأخرى وينتظر شيئاً زيادة في الاستيثاق ومبالغة في الحذر ولا يجد ما يبعثه على الشك، ومع ذلك يظل يتريث حتى تزهق روحي وأنا أنظر إليه. وإذا رابه شيء رد يده وسحبها من موضعها بسرعة وخفة؛ ولو كان الإنجليز قد خلقوا قبل القطط وسبقوها إلى الدنيا والحياة لقلت إن القطط أخذت ذلك عنهم وقلدتهم فيه فإنهم مثلها يقدمون على الشيء متحرزين، ويخطون خطوة ثم يقفون ينظرون ما يكون، فإذا جرت الأمور على غير ما يحبون أو يتوقعون ارتدوا بخفة وبسرعة وإلا نقلوا رجلاً أخرى وهكذا، فيظهر أنهم هم الذين يتقيلون القطط ويحاكونهم في هذا والله أعلم.

ولم يسرني قط وجود قطة في بيتي إلا مرة واحدة، وكان قطاً ملعوناً لا يزال كلما أوينا إلى مضاجعنا يتسلل - لا أدري من أين - إلى المطبخ ويرفع كل غطاء عن كل وعاء ويقلب كل صحن ويروح يعبث بما في المكان. وليست نقمتي عليه من أجل ما يسرق فقلما يجد شيئاً في المطبخ لأن عادتنا أن نأكل كل شيء ولا نبقي شيئاً قبل أن ننام، فلا تبيت الأوعية والصحون إلا فارغة نظيفة، والحمد لله الذي لا يحمد على المكروه سواه. وإنما نقمتي عليه من أجل الضجة المزعجة التي يحدثها والصحون والأطباق التي يكسرها فنهب مذعورين من فرط الضوضاء ونذهب نعدو إلى المطبخ عسى أن ندرك شيئاً قبل أن يتحطم، وإذا بالقط اللعين يثب من الرف حين يرانا إلى النافذة دفعة واحدة. وأقسم أن كنت أغلقت النافذة واستوثقت منها قبل أن أنام كما رأيت جاري يفعل ولكن من يصدق. . وتروح زوجتي تكذبني وتزعم أني لا شك أهملت كعادتي أو أني اكتفيت بأن ألمس النافذة بيدي وباركتها ثم قفلت راجعاً وأنا واثق أنها ستغلق نفسها بقدرة الله ومن غير حاجة إلى معونتي. ونظل في هذا الخلاف السخيف الذي سببه لنا القط إلى الصياح. واتفق يوماً أن دخل علينا قط ضخم بلا استئذان فهممت بطرده إذ حسبنا ما يصيبنا من القطط بالليل، ولكني لمحت قطاً آخر واقفاً بالباب يشاور نفسه، ولم أكد أراه حتى كانت المعركة ناشبة بين القطين، وكانا يدوران

<<  <  ج:
ص:  >  >>