للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

).

واختتم الشيخ المحطم صلاته، ونظر إلى ابنته بعينين رجراجتين تفيضان بدمع غزير، ثم دعاها لتجلس إلى جانبه فامتثلت ثريا، ودنت منه وقلبها يخفق وجسمها يرتجف، ثم جلست معه في المصلى، وبدلاً من أن يضغط بذراعيه على عنقها فيخنقها كما كان يخيل إليها، تناول رأسها لجميل فطبع على جبينها قبلة هادئة صامتة، وتحدرت دموعه على خديها، ثم جعل يرجو منها أن تسامحه!

وصمت الوالد وابنته لحظة، ولكن صراخاً مرعباً ارتفع فجأة من جهة القرية، فنظرت ثريا، وهالها أن ترى نسوة متشحات بالسواد يجتمعن قرب الحارة التي فيها دكان الحلاق!

- (أبي!. . أبي!. . محمود!. .).

- (محمود؟ ما له يا ثريا؟. . .).

- (مات!).

- (مات! لا حول ولا قوة إلا بالله. . . مسكين محمود!).

ومرّ غلام بهما مقبلاً من جهة القرية فسألاه: من مات؟ فأجابهما: (إنه محمود ابن عم حنفي. . مات عند حلاق الصحة من جروح في عنقه. . قتلوه! الله ينتقم منهم! قتلوه من أجل قفة ذرة!).

واسودت الدنيا في عيني عم حامد، وأيقن أنه ممض بقية حياته في غيابة السجن، وما كان أحوجه إلى نهاية مريحة ناعمة. . .

أما ثريا، فقد انهدت قواها، وطار لونها، وامتلأت عيناها الجميلتان الحزينتان بأشباح الوحشة، وفكرت في أحلامها التي طاشت، فكانت تتراءى لها طيوراً سودا كالخفافيش تملأ الغرب الذهبي الذي أوشكت شمسه أن تغيب!

- (أبتاه!).

- (نعم يا ثريا!).

- (لازم نروح!).

- (إلى أين يا بنتي؟).

- (هناك! عند. . . أل. . . (عزا)).

<<  <  ج:
ص:  >  >>