للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عظيمة القيمة سنأتي على ذكرها في موضعها - كما عهد سوتر أيضاً إلى هيكتاتيس الأبديري، ومانيثو، وتيموثيوس أمر دراسة (الميثولوجيا) المصرية القديمة، ابتغاء تزويد الإمبراطورية البطليموسية الناشئة بما يحتاج إليه كيانها من العقائد.

والحقيقة أن كل هذه الجهود هي دون ما بلغته جامعة الإسكندرية في هذا العصر من التفوق في الهندسة على يد أستاذها الأكبر (اقليدس الإسكندري) وفي التشريح على يد أستاذه الفذ (هيروفيلوس).

وإقليدس أشهر معلمي هذا العصر إطلاقاً، وهو أبو الهندسة كما يقولون، مؤسس مذهب البحث العلمي؛ وكتابه (الأصول) أنماط في صميم المنطق أكثر منها موضوعات في الرياضة، وإليه يرجع الفضل في جعل عصر سيده بطليموس سوتر عصر تفوق رياضي عظيم الشأن، كان ولا يزال له أثره في تقدم العلم والعقل البشري.

وكان (هيروفيلوس) أبا للتشريح، كما كان (أبقراط) اليوناني أبا للطب من قبل، وبفضل هيروفيلوس سجل التاريخ لمصر السبق في دراسة (الأمعاء) دراسة دقيقة، وكانت الحكومة تمده بالمجرمين المقضي عليهم بعقوبة الإعدام ليجري فيهم تجاربه - كما أمدته حظيرة الحيوان الملحقة بالمتحف بأنواع من الحيوان شرحها ودرسها واستنبط من كل ذلك طريقة علمية للتشريح ساعدت بدورها على رفع شأن الإسكندرية في العلوم الطبية.

وتآزرت جهود هذا العالم وجهود إقليدس على خلق مكانة للإسكندرية ظلت مقترنة باسم المتحف الإسكندري حتى وقتنا هذا.

ويجدر بنا أن نذكر أنه بينما كان الإسكندريون مشغوفين بمباحث العلم البحت في الرياضة والطب وما شاكلهما، كان الأثينيون مشغولين بدراسة الفلسفة من رواقية وأبيقورية، أما اشتغال الإسكندرية بالفلسفة فقد جاء متأخراً حين أسس فلاسفتها مذاهبها الخاصة التي أشهرها الأفلاطونية الحديثة وسنعرض لها في بحثنا هذا بكثير من التفصيل.

كانت لبطليموس سوتر شواغل سياسية إلى جانب انهماكه في رفع شأن الإسكندرية، وأهم تلك الشواغل منافسته لديمتريوس ملك مقدونية، لانتزاع السلطة البحرية على البحر الأبيض الشرقي من يده، وما لبث حتى انتزع قبرص من الملك المقدوني وجعلها مركزاً لأسطوله، وغدت له بهذا سيطرة غير منازعة على المياه الشرقية من البحر الأبيض. وكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>