للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحربية:

أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب

وهذا داهية بني حرب يقول: وضعت رجلي في الركاب يوم صفين للهرب، فتذكرت قول ابن الاطنابة:

أبت لي همتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

فانثنيت عما أنا في سبيله.

ولعمري ما أُخذنا في عصورنا المتأخرة إلا من ناحية تلك الفلسفة السقيمة العقيمة، فلسفة الاستكانة والتماوت التي تسربت إلينا من بثوق المغلوبين على أمرهم، المفجوعين بحريتهم، المصابين بعزتهم وأنفتهم؛ ثم جاء الطامعون بنا فنفخوا في نارها، وضاعفوا من أضرارها، إلى أن أصبحنا نخاف من كل شيء حتى من أنفسنا، ونرى يومنا أسوأ من أمسنا.

فإذا أردنا أن نعيد سيرة أولينا جذعة، فعلينا أن نغذي نفوس ناشئتنا بكل ما من شأنه أن يغرس فيها الشمم والطموح إلى معالي الأمور والترفع عن دناياها، وإرخاص الحياة في سبيل العز، والاعتقاد بأن الحياة بغير الحرية ضري من ضروب الموت الخفي؛ والشعر الفاخر أو الفخر الشاعر من أجدى الأغذية النفسية وأنجع الأدوية الروحية.

ودوحة الفخر في شعر أبي الطيب كثيرة الأفنان، باسقة الأغصان؛ وموقفنا هذا المحدود بالدقائق أضيق من أن يتسع للإحاطة بجميع أطراف هذا الموضوع فلا بد من الاقتصار والاختصار. وليكن اقتصارنا على غصنين هما أكثر تلك الأغصان أزهاراً وأينعها ثماراً، وهما إمامته الأدبية، وأمنيته السياسية.

نشأ أبو الطيب صباً بالمعالي متيماً بها، لا يفارقه طيفها سُرىً أمامه وتأويباً على أثره. وتمثلت له أمنيته بالسيادة والملك فكان يبغي أن يقهر العتاة من جبابرة عصره، ويديل للعرب من أولئك الموالي الذين تسنموا العروش من طريق الختل والغدر.

وإنما الناس بالملوك ولا ... تُفلح عرب ملوكها عجم

بكل منصلت ما زال منتظري ... حتى أدلت له من دولة الخدم

<<  <  ج:
ص:  >  >>