للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ودرس الشيخوخة في الحيوانات، وأرسل له الناس كلاباً شيباً وقططا هدّها الكِبَر، ودأبوا على إرسالها إليه، ونشر بحثاً جِدّيا في بَبّغاء خرق العادةَ فعاش سبعين عاماً. وكان يملك سلحفاة ذكرا من سلاحف البحر أسكنه حديقة داره، وكان له من العمر ستة وثمانون عاماً، فألّف بينه وبين سلحفاتين أنثيين في مقتبل شبابهما فنتج عن هذا التأليف نسل عديد من سلاحف صغيرة، ففرح متشنيكوف بذلك وامتلأ سروراً حتى فاض، فقد كان دائم الخوف أن تذهب الشيخوخة بلذائذ الحب. وقد ذكر ما وقع من السلاحف: (إن الشيخوخة لا تتضمن هذا الضعف البالغ الذي يتصوره الناس).

ولكن لا بد من مدافعة الشيخوخة على كل حال فكيف السبيل إلى صدّها؟ وكان عالمٌ اسكندنافيّ يُدعى إدجِرن درس تصلّب الشرايين، فاقترح أن هذا التصلب هو علة الشيخوخة، وارتأى أن من أسبابه شربَ الكحول وداءَ الزّهري وطائفة أخرى من الأدواء.

وحدّث متشنيكوف نفسه: (إن تصلب الشرايين علّة الشيخوخة، وما عمر المرء إلا عمر شرايينه! هذا حق لا مرية فيه). اعتزم أن يدرس كيف أن داء الزهري يصلب الشرايين وكان ذلك عام ١٩٠٣. وكان متشنيكوف قبض جائزة مقدارها ٥٠٠٠ فرنك. وكان رو نال جائزة أوزيرس الكبرى ومقدارها ١٠٠ , ٠٠٠ فرنك. وكان الفرق كبيراً بين الرجلين، والبون واسعاً بين طرائقهما في البحث، وكان رو أقوم الرجلين طريقة، ولكنه لزم متشنيكوف دائماً وربط حبله بحبله واطمأن إليه رغم جموحه. اختلف الرجلان اختلافاً كبيراً، ولكنهم كانا سيَّين في قلة حرصهما على المال، فاتفقا على أن يضمّا كل هذه الفرنكات، وثلاثين ألفاً أخرى ابتزّها متشنيكوف تملّقاً وملاطفة من بعض أثريا الروس، وأن ينفقاها جميعاً في بحث هذا البلاء التناسليّ المسمَى بالزُّهريّ ذلك بأن يصيبا به بعض القردة ثم يبحثا فيها بعد ذلك عن جرثومته ثم يتدرّجان من هذا إلى طريقة لمنعه فعلاجه إن وجدا إلى ذلك سبيلاً. وفوق كل هذا أراد متشنيكوف أن يدرس فيه كيف تتصلب منه الشرايين.

واشتريا بالمال قردة، وأعانهما الحكام الفرنسيون بالكنغو الأفريقي على صيد القردة فبعثوا أولاداً من أهل السواد يجوبون الغاب ويمشطون الأحراج في طلبها، ولم يمض طويل من الزمان حتى امتلأت حجرات واسعة في معهد بستور بأصوات الشمبانزي والأُوران أُوتان،

<<  <  ج:
ص:  >  >>