للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الثمرة الأولى لثورة فلسطين]

للأستاذ قدري حافظ طوقان

لم تعد قضية فلسطين خافية على أحد.

فلقد امتلأت الأجواء بضجيج الأمواج اللاسلكية حاملة على أجنحتها أخبار فلسطين وأنباءها، وأصبحت ثورتها حديث الناس في مجتمعاتهم وأنديتهم ومجالسهم، حازت إعجابهم إعجاباً أحاطه عطف وشعور وإشفاق. وقال الناس للناس: ألم تروْا كيف عرف عرب فلسطين طريق الحياة فشقوها، وقاموا بالمعجزات في نهضتهم، وضربوا المثل الأعلى في التضحية، ودقوا باب الحرية باليد المضرجة، فأعلنوا سخطهم على سياسة الانتداب بالإضراب العام الشامل والاضطراب؛ وقد مر عليهما ما يقرب من ستة أشهر، وهم معطلون أشغالهم ومصالحهم، ثائرون في سبيل قضية إنسانية عادلة - قضية الدفاع عن الكيان - ناقمون على من يريد إذلالهم وإخضاعهم، عازمون على مواصلة الكفاح، إلى أن يحق الله الحق، وإلى أن ترجع بريطانيا عن نواياها نحو بلادهم.

لفتت قضية فلسطين أنظار العالم، وتطلع إليها، فشملها المسلمون بعطفهم والعرب بتأييدهم، وامتلأت نفوسهم آلاماً لما أصاب عرب الأرض المقدسة.

وقاموا متضافرين غاضبين من أجلهم يناصرونهم ويدعون إلى إنصافهم ومساعدتهم، وعقدوا الخناصر على صيانة فلسطين وحفظها، فقويت الأواصر بينها وبين البلاد المحيطة بها، وتوثقت العُرى واشتبكت الوشائج، وتعهد ملوك العرب وأمراؤهم ورجالات الإسلام بقضية فلسطين تعهداً يرفع عنها الظلم النازل بها ويضمن لها كيانها العربي ويدفع عنها أي اعتداء على مقدساتها، تعهداً أخرج فلسطين من حيزها الضيق إلى حيز العالم العربي، فأصبحت بذلك جزءاً من القضية العربية الكبرى وعاملاً من عوامل السلام في الشرق العربي.

هذه هي الثمرة الأولى التي جنتها فلسطين من ثورتها وغضبتها وما كان لهذه الثورة أن تثمر هذه الأثمار لولا خاصيتان امتازت بهما على غيرها من الثورات:

الأولى أنها امتازت بالشمول، إذ اشترك فيها جميع الطبقات كل بحسب دائرة اختصاصه، ولم يحن الوقت لتفصيل ذلك، ولولا هذه الخاصية لما كانت حركة فلسطين على ما هي

<<  <  ج:
ص:  >  >>