للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الماضي، وأراد أن ينتفع بكل شيء، ثم طبع هذا التراث بطابعه الخاص، وزاد فيه فتوسع وتعمق إلى حد لم يُسبَق إليه).

والأستاذ كرم هادئ كذلك في مناقشاته وأحكامه، فهو يناقش النظريات الفلسفية في هدوء وسكون، ويحكم على مختلف الآراء أحكاماً بعيدة في جملتها عن الشطط والمغالاة. بيد أن هدوءه هذا قد يؤخذ عليه، وكم كنا نوده عنيفاً نوعاً في بعض المواقف. فأن هدوءه دفعه إلى تبسيط المسائل إلى درجة ربما ضاع معها لبها، ولم يمكنِّه من استيفاء بعض المشاكل التاريخية. فلم يثر مثلاً أسئلة كهذه: هل سقراط أو ميتافزيقي؟ وكيف تفسر الرموز في أسلوب أفلاطون؟ وعلام يحمل التذكر عنده؟ ولم يفصِّل القول في مشكلة الإله عند أفلاطون ونظرية العقل عند أرسطو تفصيلاً مقنعاً ومرضياً، وكأنه تناسى ما كتبه الباحثون السابقون هذه في المسائل واكتفى بعرضها كما يرى هو دون أن يبين آراء الآخرين. وقد حال هدوء المؤلف أيضاً دونه والاسترسال في النقد بعض الشيء. نحن لا ننكر أنه نقد طائفة من الآراء والنظريات التي عرضها في حكمة ودقة؛ ولكنا كنا نتمنى أن يعنى بالنقد أكثر من هذا وخاصة في دراسة الفلسفة الأرسطية، ويظهر أن الخلاف بيننا وبينه ي هذه النقطة راجع إلى المبدأ ووجهة النظر؛ فإنه فيما يبدو لنا، يرى في أرسطو الكمال والتبرؤ من كل نقص وخطأ، وهذا رأي قد لا يقره عليه كثيرون الآن.

وكيفما كانت الاعتراضات التي يصح أن توجه إلى تاريخ الفلسفة اليونانية فأنه يحوي أكبر وأنفس مصدر عربي عرف حتى اليوم في هذه الناحية، ولم يدع مؤلِّفه أنه جاءنا بنظرية جديدة أو طريقة مبتكرة في دراسة تاريخ الفلسفة؛ وكل ما صنع أنه قرأ ودرس ومثَّل في تأن وتؤدة، ثم استخلص من قراءته ودراسته تلك الثمرة الطيبة. وهو لم يمنِّنا مطلقاً بأمان ولم يعدنا بوعود حتى نحاسبه على إنجازها؛ بل ترك تاريخ الفلسفة يتحدث عن نفسه، ولم يزل هذا التاريخ في حديثه حتى انتهى إلى مرحلة نرجو أن تكون أخيرة لا آخرة. ويقيننا أن من بدأ تاريخ الفلسفة على هذا النحو وبهذا التوفيق لابد واصل إلى نهايته.

إبراهيم مدكور

<<  <  ج:
ص:  >  >>