للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قال: (لم أكسرها، إنما كانت هي تسقط مني)

قلت: (هذه مسألة دقيقة جداً. فلنقف عندها قليلاً. . . أنها تذكرني بابني. . . كان معي يوم زرتني، فلا شك أنك تعرفه)

فقال وقد أضاء السرور والإعجاب وجهه: (أكان هذا أبنك؟)

قلت: (لا يزال أبني على الرغم من كل شيء)

قال: (ما شاء الله. . .)

قلت: (أشكرك. . . وأعود فأقول إن بائع تين مر ببيتنا يوماً فوزن لنا أقة، فأخذها منه الصبي - اعني أبني فقد كان صبياً صغيراً كما لا بد أن تعرف - واكل منها تينات في طريقه ألينا. . . بلعها بلا مضغ على ما أظن، فقد كانت المسافة أقصر من أن تسمح بالأكل الصحيح - أعني الصحي. . . المضغ اثنتين وثلاثين مرة إلى آخره - فلم يعجبنا التين فأعدناه إلى صاحبه، ولا أدري كيف عرف، ولكنه تبين أن التين أنقص مما كان، فسألنا الغلام، فقال أنه لم يأخذ شيئاً، ولكن التين كان يثب من الطبق إلى فمه. . . فهذا من ذاك يا صاحبي! ثم ماذا أيضاً بعد أن طردت من المطعم. . . لا بد أن تكون طردت. . . أم تراك قدمت استقالة مسببة ذكرت فيها أنك لا تستطيع أن تعمل مع هذه الصحون والأطباق اللعينة التي تأبى إلا أن تعاكسك وتحاورك وتغافلك وتسقط من يدك؟)

فتمتم قليلاً ثم قال إنه أشتغل بائع للبن الزبادي - اليغورت كما يسمى في أحياء الرمل - فضحكت وقلت: (لابد أن تكون قد عانيت من سلاطين اللبن مثل ما عانيت من صحون المطعم. . . الطبيعة واحدة، ولست أحتاج منك إلى بيان ما حدث، فأني أعرف روح هذه المادة التي تصنع من الصحون والسلاطين)

فقال بلهجة الجد المضحك: (الحقيقة أنه أمر غريب. . لقد كان يخيل إلي أن شيئاً فوق رأسي يحرك الطبلية ويميلها فتتسابق السلاطين إلى الأرض)

قلت: (معقول. . . . معقول. . . . شيطنة معهودة من كل ما يصنع من هذه المادة المكهربة)

ولا أطيل، فما أردت من إثبات هذا الحوار إلا أن يرى القارئ مبلغ سذاجة هذا الشاب وبراءة نفسه وطيب خيمها، وقد علمت منه انه يشتغل، خادماً أو (ساعياً) عند قصاب، وأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>