للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ان يعرفها؟ ألم يكن يعيش؟ ألم تكن حياته أجمل وأحفل بالعظائم، وأملأ بالفضائل؟ هل كان هذا الحب إلا مرضاً عضالاً هد جسمه ومحا مواهبه، وفل عزيمته، وأقام بينه وبين الحياة سداً من لحم ودم؟

يا للسخف! أيحكم على نفسه بالألم الدائم، والقلق المستمر ليحظى ذلك الإنسان بالسرور والاطمئنان؟

أيوجب على نفسه الشحوب لأنها موردة الوجنتين؟ أيختار المرض والهزال لمجرد أنها صحيحة بضة؟. . .

يا للخجل! ألا يرى الدنيا إلا في عيني هذا الإنسان؟ أيقنع من السعادة والمجد والعلم والبطولة والدفء والنور والحياة بابتسامة واحدة؟

وبدا له الحب كأسخف شيء يكون. . .

وكانت الدنيا قد استطير لبها، وجن جنونها، وهطلت الأمطار سريعة قوية، تضرب وجهه. . . فأحس بالقوة والنشاط، وجعل ينشق ملء رئتيه، وتبرق عيناه بريق العزم، ثم ألقى عصاه وشملته، ونزع عنه هذه الأحمال من الثياب. . . وانتفض وضرب الفضاء بقبضيته، وصاح صحية الفرح: قد شفيت!

ثم انطلق نحو الدنيا الواسعة. لم تعد محرمة عليه، لأنه لم يعد يحب!

(بغداد)

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>