للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دائماً في جوف كرات الدم الحمراء تفسد فيه وتُخفّه فيصبح مرهفاً كالماء.

ولم يرها قط في دم بقرة شمالية صحيحة، فأسرّ لنفسه: (لعل هذا مكروب الحمى). وكان له اتئاد الفلاح فلم يتعجل في الحكم، واعتزم قبل أن يقضي على أن يفحص دماً من مائة بقرة مريضة وسليمة، وأن يمتحن الملايين من الكرات الحمراء.

وكان الحرّ قد مضى وحلّ شهر سبتمبر، وكان في الحقل الثاني أربع بقرات من البقر الشمالي كلها سليمة ترعى الحشيش وتزداد سمناً - ولم يكن عليها قراد أصلاً. فقال إسميث وهو ينظر إليها: (إن من الميسور أن نحقق التهمة المعزوّة إلى القراد من تسبيب الحمى). وقام فساق اثنتين من هذه البقرات السليمة الأربع إلى الحقل الأول الذي مات به البقر المريض، ففي أسبوع رأى قراداً أحمر أغبر صغيراً على فخذ البقرتين. ومضى أسبوعان أو يزيدان قليلاً فماتت إحداهما، أما الأخرى فغادرها تعاني من الحمى ما تعانيه.

ولم يقتنع إسميث بكل هذا فطلب المزيد - المزيد الذي لا يطلب مثله في العلماء سواه. وكانت لا تزال هناك حيلة لا بد من احتيالها، أو إن شئت فقل تجربة لا بد من إجرائها. فقد كان جاء من كرلينة الشمالية صفائح ملأى بالحشيش تجري عليه جماعات القراد تسعى عطشى إلى دم تستقيه. فأخذ إسميث هذه الصفائح إلى حقل ثالث لم تطأ أرضه بقرة واحدة من بقر الجنوب أو قرادة قط من قراداته. وأخذ يذهب فيه ويجيء، يفرغ حشيش الصفيحات وينثره بقراده على أرضه فلعل فيه الموت، ثم اقتاد أربع بقرات سليمة إلى هذا الحقل، فمضت بضعة أسابيع انحل فيها دم البقر كله. وماتت منه بقرة، أما الثلاث الأخريات فنالتها نوبات شديدة من الحمى ولكنها اشتفت أخيراً.

وعلى هذا فقد نجح إسميث أول ناجح في تتبع أثر مكروب قاتل، والكشف عن السبيل الذي يسلكه إلى حيوان بركوبه على ظهر آخر. ففي الحقل حيث كان بقرٌ جنوبيّ، وكان قرادٌ مات البقر الشماليّ. وفي الحقل حيث كان بقرٌ جنوبي، ولكن لم يكن قراد، زاد البقر الشمالي سمناً وهنئ عيشاً. وفي الحقل الذي لم يكن به بقرٌ جنوبي ولكن كان قرادٌ، أصيبت البقرات الشمالية بالحمى التكساسية.

إذن فالقراد أصل البلاء.

وإذن فقد أثبت إسميث بذلك المنطق البسيط، وبهذا العدد العديد من التجارب أن البقّارين

<<  <  ج:
ص:  >  >>