للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان القاتل الحقيقي هينا عليهم فإنهم استبقوه لأنفسهم وتركوا أمر هذا الشاب للقضاء. قال صاحبي: فلما وقفت على هذه المعلومات حفزني الأمر إلى مضاعفة العناية بالقضية. فاطلعت على أوراقها بكل دقة ويقظة، فوجدت أدلة الاتهام فيها قوية ناطقة. ورأيت جملة من شهود الإثبات تطابقت أقوالهم في محاضر التحقيق، وقد عجز المحقق عن أن يحدث ثغرة فيهم تدل على تلفيقهم. إذ قرروا جميعاً انهم رأوا المتهم وهو يطلق النار على القتيل. وانهم شاهدوه عقب ذلك وهو يفر. ووصفوا اتجاه سيره أدق وصف، ونوقشوا في ألوان ملابسه وفى نوع سلاحه وفى غير ذلك من التفصيلات فكانت أقوالهم دائما واحدة لا تحريف فيها ولا تبديل! إزاء ذلك استولى اليأس على صاحبنا المحامى، ولم يبق له من القوة على الدفاع ألا قوة يقينه هو بان المتهم بريء بناء على تأكيدات عمه. . وحل موعد المحاكمة فتوجه إلى المحكمة. ونودي على القضية، وسئل المتهم عن تهمته فأنكرها بكل شدة. وسمعت أقوال الشهود فاذا هي نفس أقوالهم في التحقيق. فترافعت النيابة فقالت أن القضية لا تحتاج إلى نور جديد وأن أقوال الشهود قاطعة في الإدانة. ونهض الدفاع وحاول أن يثير ما استطاع من الشكوك حول موقف المتهم، ولكن الحكم صدر في النهاية بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة. . . عاد المحامى في ذلك اليوم إلى مكتبه مكتئبا حزينا على ما حل بهذا الفتى التعس. ولقيه هناك عمه فألفاه على هذه الحال. فابتدره المحامى بالسؤال عن كيفية اتفاق الشهود على كل تلك التفصيلات التي شهدوا بها أن صح ما يدعيه هو من انهم ملفقون. فقال له الرجل: أن الشهود قد شاهدوا القاتل الحقيقي فعلا وهو يرتكب جريمته. واتفقوا فيما بينهم لارتباطهم بأسرة القتيل على أن يرووا كل ما شاهدوه ولكن منسوبا إلى المتهم الحالي بدل أن ينسبوه إلى فاعله الأصلي. ومن هنا جاءت أقوالهم كلها متطابقة، لأنهم إنما يقرون من الوقائع ما وقع فعلا تحت سمعهم وبصرهم! وهنا يقول صاحبي أن ثورة عنيفة أدركت نفسه ضد هؤلاء المزورين الذين تمكنوا من مخادعة القضاء إلى هذا الحد، والتوسل به إلى إنزال العقاب الذي يشاءون على من يشاءون. ولكنه آنس شيئاً من الاستسلام غير عادى يغلب على نفس عم المتهم، بينما هو يعانى من ثورة النفس شدتها وغليانها. فلم يكتم صاحبه ما يجول بخاطره. وهنا رفع عم الفتى رأسه وقال: الحق يا أستاذ أن الفتى يستحق العقاب الذي أنزله به القضاء فسأله المحامي في دهشة:

<<  <  ج:
ص:  >  >>