للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

استقطرت بلسماً من سمومك وحلبت ناقة الأوصاب، وأنت الآن تكرع لذيذ دَرِّها

لن يخلق شرٌّ منك بعد الآن؛ غير أن هنالك شراً قد ينشأ من تخاصم فضائلك. فأصغ إليّ، يا أخي! إنك إذا شعرت بسعادة فما يكون ذلك إلا لفضيلة مستقرة فيك وهي تسهِّل اجتياز الصراط عليك

إنها لمزية أن تكون للإنسان فضائل عديدة، غير أن تعدّد الفضائل يرمى بالإنسان إلى أشقى الحظوظ. وكم من مجاهدٍ أرهقه النزال في ساحات الفضائل فتوارى لينتحر في الصحراء

إذا كنت ترى المعارك والحروب شروراً، فاعلم يا أخي أنها شرور لا بد منها، لأن للحسد والريبة والشتيمة مقامها المحترم بين فضائلك نفسها. تبصر ترَ أن كلا من فضائلك تطمح إلى المقام الأسمى وتطمع في الاستيلاء على جميع أفكارك لتستعبدها وتحصر بها وحدها كل ما في غضبك وبغضائك وحبك من قوة

إن كلا من فضائلك تحسد الأخرى، والحسد هائل مريع يتناول الفضائل أيضاً فيبيدها

إن من يحيط به لهيب الحسد تنتهي به الحال إلى ما تنتهي العقرب إليه فيوجه حمته المسمومة إلى نحره

أفما رأيت، يا أخي، من الفضائل من تشتم نفسها وتنتحر؟

ليس الإنسان إلا كائناً وجب عليه أن يتفوق على نفسه، لذلك حقَّ عليك، يا أخي، أن تحب فضائلك لأنك بها ستفنى هكذا تكلم زارا. . .

المجرم الشاحب

أفما تريدون أن تنزلوا القصاص، أيها القضاة والمضحون، ما لم يهز الحيوان رأسه؟ إليكم رأس المجرم الشاحب، إنها لترتعش؛ وها إن أفظع احتقار يتكلم في نظراته

إن عيني المجرم تقولان لكم ما الشخصية إلا شيء وجب علينا أن نتسامى فوقه؛ وما شخصيتي إلا عظيم احتقاري للبشر

لقد انتهى أجل هذا المجرم عندما أصدر حكمه على نفسه؛ فلا تتركوا للتسامي سبيلاً يندفع منه إلى الانحطاط. عاجلوه بالموت فهو المنفذ الوحيد لمن بلغ عذابه بنفسه هذا الحد البعيد

ليكن قصاصكم، أيها القضاة رحمة لا انتقاماً. وإذا ما حكمتم بالموت فلتكن غايتكم تبرير

<<  <  ج:
ص:  >  >>