للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان من أعجب ما عجبتُ له أن صديقاً مرَّ بنا فدعاه صاحبنا وقال وهو يومئ إليّ: أنا وفلان هذا مختلفان منذ اليوم لا هو يقيم عذراً ولا أنا أقيم حجة؛ وأحسب أن عندك رأياً فاقض بيننا

ويسأله الصديق: ما القضية؟ فيقول وهو يشير إليّ:

إن هذا قد تخرَّق قلبه من الحب فلا يدري من أين يجيء لقلبه برقعة. . . وأنه يعشق فلانة الراقصة التي كانت في هذا المسرح ويزعم لي. . . أنها أجمل وأفتن وأحلى من طلعت عليه الشمس، وأنه ليس بين وجهها وبين القمر وجه امرأة أخرى في كل ما يضيء القمر عليه، وأن عينيها مما لا ينسى أبداً أبداً أبداً. . . لأن ألحاظها تذوب في الدم وتجري فيه، وأن الشيطان لو أراد مناجزَةَ العفة والزهد في حرب حاسمة بينه وبين أزهد العباد لترك كل حيَله وأساليبه وقدَّم جسمَها وفنها. . .

فيقول له المسؤول: وما رأيك أنت؟

فيجيبه: لو كان عنها صاحياً لقد صحا. إن المشكلة في الحب أن كل عاشق له قلبُه الذي هو قلبُه، وحسبها أن مثل هذا هو يصفُها. وما يدرينا من تصاريف القَدَر بهذه المسكينة ما عليها مما لها، فلعلها الجمالُ حكم عليه أن يُعذَّب بقبح الناس، ولعلها السرورُ قضى عليه أن يسجن في أحزان

وقلت له: يا صديقي المسكين، أوَكلُّ هذا لها في قلبك. فما هذا القلب الذي تحمله وتتعذب به؟

قال: إنه والله قلب طفل، وما حبُّه إلا التماسُه الحنان الثاني من الحبيبة، بعد ذلك الحنان الأول من الأم. وكل كلامي في الحب إنما هو إملاء هذا القلب على فكره كأنه يخلق به خلق تفكيره

آه يا صديقي، إن من السخرية بهذه الدنيا وما فيها أن القلب لا يستمر طفلاً بعد زمن الطفولة إلا في اثنين: من كان فيلسوفاً عظيما، ومن كان مغفلاً عظيما

وافترقنا؛ ثم أردت أن أتعرَّف خبره فلقيته من الغد، وكان لي في أحلامي تلك الليلة شأن عجيب، وكان له شأن أعجب أما أنا فلا يعنى القراء شأني وقصتي

وأما هو. . .؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>