للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مناظر من موقعة صفين]

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

وكان معاوية معروفا بالمغالاة في التوسل بهذه المكائد في سبيل الانتصار، فاذا أردنا أن نعرف سبب نجاح مكيدة المصاحف فلا بد لنل من أن نفترض أن صفوف علي لم تكن خالية من عيون معاوية، وليس التدليل على ذلك ببعيد المنال. فقد ارتفع في أثناء القتال صوت بعد صوت يحاول إحداث الفشل في صفوف المقاتلين. غيران الظروف لم تكن قد تهيأت لذلك بعد. فقد قام شيخ من شيوخ الأزد في أثناء المعركة فجعل يرثى قبيلته وينعى من مات منها في سبيل نصرة على وجعل يقول: (والله ما هي إلا أيدينا نقطعها بأيدينا وما هي إلا أجنحتنا نجذها بأسيافنا. . . الخ) غير أن صيحته اضمحلت في حماسة إخوانه وماتت في جلبة المعركة. وكان رئيس ربيعة متهما بالميل إلى معاوية، وقد حدث في أثناء القتال أن انهزم بعض الضعفاء من ربيعة مع ثبات أهل الرايات والشجعان. وقد انصرف ذلك الرئيس منهزما عندما شهد فرار أول المنهزمين، فلما رأى ثبات سائر أصحابه عاد واعتذر عن هربه قائلا انه كان لا يريد إلا إرجاع المنهزمين. فلا بد لنا من أن نفترض وجود هذه التيارات الخفية التي كانت تعمل في جيش على حتى تستقيم الصورة وتصبح ملائمة لطبيعة الأمور. وكان علي لا يحفل بالبحث عن مثل هذه الدسائس. بل لقد كان إذا عرفها ورأى عند صاحبها شبهة البراءة لم يمد إليه يدا بسوء. وكان علي من الشجاعة والاستهانة بالموت في المحل المعروف، وكانت شجاعته هذه تجعله يرتفع عن أن يعبأ بكشف هذه المكائد أو مقابلتها بمثلها. فقد كان رجل كفاح صريح. على أن هذه التيارات الخفية لم تكن بأدعى إلى فشل علي من اضطراب الأهواء تعصف ببعض قلوب من معه، وكان مسلكه الحر لا يكبح هذه الأهواء بل كان يكتفي بأن يشير إلى المبدأ السامي الذي يسعى إليه، ويحض الناس على التمسك به، ويكلهم بعد ذلك إلى نفوسهم ومقدار ما فيها من الإيمان والحرص على الحق. فكان بعض قواده يتنافسون فيما بينهم فلا يعبأ بأن يلتفت إلى تلك المنافسة، بل يحاول أن يصرف حماستهم إلى مقصدهم الأسمى. وإنا ضاربون هنا مثلا بصاحبين من أصحابه كان بينهم تنافس خفي أدى إلى نتائج جليلة في وقعة صفين، ونعني بهذين: الأشعث بن قيس والأشتر النخعي وهو مالك بن الحرث. وكان الأشعث بن قيس

<<  <  ج:
ص:  >  >>