للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان ريد رجلاً طاهر الذمة حي الضمير، فسألهما هل أدركا كل الإدراك ما اقدما عليه من المخاطر، وأخبرهما خبر الصداع الذي يجيئهما، والتهوع الذي يأتيهما، والقيء الأسود الذي يقيأن. وذكر لهما ما كان من وافدات جائحة لم تبق من الرجال على رجل واحد ليعود فيحكي خبرها ويدل على فظائعها

فأجاب الرجلان: (نعلم ذلك، وإنما جئنا تطوعاً واختياراً في سبيل العلم والإنسانية وحدهما). عندئذ اخبرهما ريد بما كان من كرم الجنرال ود، وذكر لهما أن من تعضه البعوضة سيكون له مائتا ريال قد تزاد إلى ثلاثمائة. فقال الرجلان: (نحن إنما تطوعنا على ألا نأخذ عن تطوعنا أجراً)، فانتفض ريد على قدميه ورفع يده بالسلام إلى قبعته، وهو البكباشى، وقال لهما: (أيها السيدان الكريمان، لكما تحيتي!)

وفي نفس هذا اليوم دخل الاثنان المحجر العسكري ليتجهزا فيه ليصيرا بمثابة خنزيرين غينين للتجريب على أحسن ما تكون الخنازير، فلا تدخل إليهما لوثةً ولا تتطرق إليهما ريبة. وفي الخامس من ديسمبر استضاف كيسنجر خمس بعوضات شربت من دمه حتى تروت، وكانت اثنتان منها قد شربتا منذ خمسة عشر يوماً وتسعة عشر يوماً من دم مرضى هلكوا بالحمى. ولم تمض عليه غير خمسة أيام حتى جاءه صداع يكاد يصدع رأسه، ومضى يومان آخران فاخذ يصفر لونه، وتعاقبت عليه أعراض المرض كما يجب أن تكون. ثم تعافى فحمد الله ريد على هذا الشفاء

ثم جاء المجد يسعى إلى ريد وصاحبيه كارول وأجرمنتي. وإن يكن الدهر لم يسعفهم، بمعنى أن الشبان الأمريكيين لم يزدحموا عليهم للتطوع ازدحاماً ويدوسوهم في سبيله دوساً ويرموا بحياتهم رمياً في سبيل العلم والإنسانية، فقد بعث الدهر إليهم رجالاً أسبانيين جاءوا من كوبا حديثا من أسبانيا، وكانوا غاية في الجهالة، وكان لهم مأرب في المائتي ريال؛ فتقدم خمسة من هؤلاء طمعاً في المال. ولنسمهم المهاجرين الأسبان، أو لعل الأوفق أن أسميهم بالأرقام ١، ٢، ٣، ٤، ٥ كما يسمى صيادو المكروب حيواناتهم التجريبية فيقولون الأرنب رقم ١ والأرنب رقم ٢ وهلم جرا. وعلى كل حال تقدم هؤلاء الخمسة، فلما تهيئوا للقاء البعوض عضهم عضات هي أخطر في المتوسط من الرصاص البنادق، واستحقوا المال الذي أخذوه، فأن أربعة منهم جاءتهم الحمى الصفراء على أبين ما تجيء وبأظهر ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>