للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتحت النافذة قبل أن اكتب مقالتي فتدفقت في حجرتي أشعتها الفضية اللامعة، وملأتها روحاً وحياة، وملأتني دفئاً، وملأتني معاني، وكانت حياتي في حجرتي قبل زيارتها حياة مظلمة باردة جامدة لا معنى فيها ولا روح

خلعت من جمالك على الزهر، فكان فتنة للناظرين؛ فجماله من جمالك، ولونه قبس من ألوانك، وحياته مدد من حياتك؛ فأبيضه وأحمره، وأصفره وأرزقه، ليس إلا نعمة من نعمك، وأثراً من فيضك

فالوردة الحمراء ليست إلا نقطة من دمك، والياسمين الأبيض ليس إلا لمحة من نورك، والنرجس الأصفر ليس إلا تبراً ذائباً من شعاعك

لقد أبيت على الناس أن يديموا النظر إلى جمالك، فألهيتهم بالنظر إلى بعض آثارك، ولونت الأزهار بألوانك، وأريتهم قدرة إبداعك، فشغل الجاهلون به عنك، وشغف العارفون به على أنه قبس منك، يطالعون جمالك فيه، ويقرأون معانيك في معانيه

ثم شأنك في البحر عجب أي عجب! تضربينه بشعاعك، وتلفحينه بنارك، فيتحول ماءه بخارا، يصعد إليك ليستجير منك، ويمثل بين يديك لتمنحيه عفوك، وتنيليه عطفك، حتى إذا شعر برضاك، وأمن من غضبك، دمع دمعة السرور، ففارقته ملوحته، وعاد إليه صفاؤه وعذوبته، واكتسب منك الحياة فكان ماءً جارياً، بعد أن كان ماءً راكداً، فجرى جداول وانهارا، فأرسلته إلى خدمك في الأرض من أزهار وأشجار يحيي ذابلها، ويستخرج دفينها، وينضج ثمارها

ثم تحركت فملأت الحياة حولك حركة؛ فكم من نجوم لا يعلمها إلا الله تسير حولك وتحذو حذوك؛ ثم تلعبين بالهواء من سخونة وبرودة فيتحرك، ويتعلم منك اللعب فيلعب بالبحار والأنهار والأشجار وبكل شيء يمر به؛ فإذا الدنيا كلها لعبة في يده

ثم أنت أنت حرقت الأشجار والنبات، وطمرتها تحت صفحة الأرض آلافاً من السنين بعد آلاف، حتى إذا تنبه الناس آخر الزمان فطنوا إلى انه مستودع من مستودعاتك، فاستغلوه في كل ما نرى الآن من حركة، فهو سر حركة المصانع والبواخر، وسر حركة القطارات والآلات، فلو قلنا إن كل حركة في الأرض أنت مصدرها لم نبعد

تلعبين بالناس فتنمينهم وتوقظينهم؛ ترسلين أشعتك الجميلة على العالم فينتبه، وتغيبين عنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>