للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الخليفة العزيز بالله وزوجه النصرانية وأصهاره]

[البطاركة]

للأستاذ محمد عبد الله عنان

ليس غريبا أن تقرا في التاريخ الإسلامي أن خليفة من الخلفاء قد ولد من أم نصرانية أو انه قد تزوج من نصرانية وله بين الأمراء النصارى أصهار ولأولاده منهم أقارب؛ ولكن ربما يبدو غريبا أن يقترن خليفة مسلم بنصرانية تنتمي إلى آسرة من الأحبار، وأن يكون له بين أحبار الكنيسة أصهار، ولولده منهم أقارب وخؤولة: تلك هي حالة العزيز بالله ثاني الخلفاء الفاطميين بمصر، ولد المعز لدين الله، ووالد الحاكم بأمر الله

كانت الخلافة الفاطمية منذ قيامها بمصر تتشح بصيغتها المذهبية العميقة؛ بيد إنها رأت أن تتبع نحو الذميين من النصارى واليهود سياسة التسامح الحر؛ وظهر اثر هذا التسامح جليا في علائق الذميين بالدولة، وفي ارتفاعهم إلى أرقى مناصبها؛ بل نرى في خلافة المعز لدين الله وولده العزيز ثبتا حافلا من الوزراء والكتاب النصارى واليهود يحتلون ارفع المناصب في البلاط وفي الحكومة؛ وكان أول وزراء الدولة الفاطمية وأعظمهم يهوديا اعتنق الإسلام، وهو الوزير يعقوب بن كلس؛ وفي عصر العزيز كان مدير الدولة وكبير الوزراء نصراني هو عيسى بن نسطروس؛ وكان متولي أعمال الشام يهوديا يدعى منشا؛ وفي عهد المعز والعزيز أنشئت كنائس وأديار كثيرة؛ وبلغ نفوذ النصارى واليهود ذروته في عصر العزيز حيث استولى الوزراء والكتاب الذميون على معظم أعمال الدولة، واستأثروا بمعظم السلطات والنفوذ، وقد كان لهذه السياسة المتطرفة في التسامح والعطف أثر سيئ في المجتمع المصري؛ وتنقل الرواية إلينا في ذلك قصة خلاصتها أن العزيز بالله رأى ذات يوم في طريق الركب الخلافي امرأة تمد بيدها رقعة كأنها ظلامة. فتناولها، فإذا بالمرأة هيكل من الجريد قد ألبس أزرار، وإذا في الرقعة ما يأتي: (بالذي أعز اليهود بمنشا، والنصارى بعيسى ابن نسطورس، وأذل المسلمين بك إلا ما كشفت ظلامتي. . .) فأدرك العزيز ما انتهت إليه نفسية الشعب من تحكم الأقلية الذمية في مناصب الدولة ومرافق الأمة؛ وسواء صحت هذه الرواية أم كانت فقط أسطورة ذات مغزى، فان العزيز لم يلبث أن أدرك خطر هذه السياسة على سلطان الخلافة وهيبة إمامتها المذهبية، فانقلب

<<  <  ج:
ص:  >  >>