للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عهد القرون الوسطى فنازلا، بعضها يدور حول السحر والطلاسم، وبعضها من نسج الخرافة، وبعضها مزيج من الخرافة والتاريخ، وكلها مملؤة بحب الطبيعة ووصف مناظرها؛ وكان لاسكتلندا وأدبائها فضل كبير في تلك الحركة؛ فقد اخذ الكثير من الأغاني من أدبها العامي، وقام أدباؤها بالجانب الأكبر من ذلك الجمع والنشر، وقاموا بالرحلات بين أريافها وحزونها ينقلون عن الزراع والرعاة أغانيهم وأسمارهم

ومن الاسكتلنديين أيضاً كان الرعيل الأول من الشعراء الذين نظموا أشعارهم في التغني بالطبيعة وحياة البسطاء من الفلاحين والرعاة وحياة الفروسية الغابرة؛ ومن أولئك ألان رمزي وروبرت برنز ووالتر سكوت. وقد كان ثاني هؤلاء فلاحا قحا، فعبر في شعره عن حياة فلاحي اسكتلندا وتقاليدهم وأفراحهم وأتراحهم؛ اما الثالث فقد كان على نقيض ذلك أرستقراطيا سليل أسرة تمت إلى الفرسان العصور الوسطى، فاحتفى شديد الاحتفاء بالأغاني الراجعة إلى تلك العصور، وازداد شغفا بالأغاني الشعبية حين اطلع على ما ترجم منها عن الألمانية، فطاف في اسكتلندا طلبا للاستزادة، وجعل محصوله من كل ذلك مادة لأشعاره وقصصه التي رفعته في زمنه وبعده إلى مصاف كبار الأدباء، وأكسبته شهرة عظيمة في القارة الأوروبية

وفي هذا الجو المملؤ بحب الطبيعة والبساطة والشعور الصادق، نشا وردزورث وكولردج ثم شلي وكيتس، وهذه الروح الخافقة المأخوذة عن الأغاني الشعبية هي التي أوحت إليهم أشعارهم البديعة وجعلتهم ينهجون بالشعر نهجهم الطريف. وكان وردزورث احرص الجميع على اختيار المواضيع البسيطة لقصيده، واختيار أشخاصه من بين الريفيين والدهماء، واستعمال ألفاظهم بذاتها في شعره؛ وقد جمع باكورة ما نظمه على ذلك النمط في كتابه (الأغاني الشعرية) الذي أخرجه بالاشتراك مع كولردج، وصدراه بمقدمة شرحا فيها المذهب الجديد المستمدة روحه من روح الأغاني والأقاصيص العامية

ووجد الأدب لعامي لنفسه مسلكا جديدا إلى الأدب الفصيح، حين تقدمت القصة وتناولت الحياة الاجتماعية بالوصف الدقيق، وأولعت بتصوير شتى الشخصيات من الطبقات الفقيرة والأوساط الريفية، وتناولت معاملات تلك الطبقات والأوساط ومحاوراتها وعقلياتها بالعرض والتحليل، وتوخت الأمانة للواقع بنقل ألفاظ القوم ومحاكاة أساليبهم في الخطاب؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>