للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأديب عواطف غيره ومواقفهم، مازجا ذلك بلا ريب بعواطفه ومواقفه، مسبغاً على إنشائه ثوباً رائعاً من الخيال

وفي العربية شيء من القصص أولع بتأليفه بعض المتأخرين من الكتاب كابي الفرج الببغاء؛ غير أنه بدائي سطحي مشوب بلوثة الترف والشهوة. وأحسن ما في العربية من وصف للحب وأطواره هو النسيب الشعري؛ فالشعر لموسيقاه واختيار ألفاظه وأخيلته خير معبر عن الشعور الفردي المباشر؛ فالشعر في العربية دون النثر هو المستأثر بالتعبير عن الحب؛ أما في الإنجليزية فللنثر نصيب من ذلك تزايد بانتشار الرواية التمثيلية وذيوع القصة، حتى ليكاد بفضل الأخيرة يغلب الشعر على مكانته من نفوس القراء، لما يستطيعه دون الشعر من التحليل المسهب الدقيق، والحركة المستمرة، والوصف المستوعب لدخائل النفوس وأطوار الحب. مواقف الغزل، حتى ليستطيع القصصي البارع أن يبكي قراءه ويمزج نفوسهم بنفوس أشخاص قصته، ويجعلهم يتمثلونهم أحياء ويذكرونهم مدى حياتهم كأنهم أصدقاء قدماء قد فقدوهم

ومن ثم نرى أن أعلام الغرام المذكورين في الأدب العربي، والذين تتخذ أسمائهم رموزاً للحب، وتضرب أمثالاً في الهيام، هم الأشخاص الحقيقيون الذين عاشوا وسجلوا قصة غرامهم بأنفسهم في أشعارهم وحدثتنا عنهم كتب الأدب؛ كعنترة وعبلة، وجميل وبثينة، وتوبة والأخيلية، وبن زيدون وولادة، على حين نرى في الإنجليزية أن أعلام الغرام الذين تضرب بهم الأمثال ويجري ذكرهم على الألسنة هم الأشخاص الخياليون الذين اخترعتهم مخيلة الأدباء، مثل روميو وجوليت، وعطيل وديدمونة، وأوفيليا وهملت، نعرف كل أولئك وهم من ابتداع شكسبير، ولا نعرف إلا الشيء القليل الغير المستيقن عن محبوبته (الحسناء السمراء) ولم ينفرد القصصيون بذلك الابتداع وذلك التعبير المباشر عن مظاهر الحب، بل جاراهم الشعراء: فمعظم شعراء الإنجليزية الذين تناولوا الحب في شعرهم تغنوا بالجمال الإنساني على إطلاقه، ولجئوا إلى الخرافات اليونانية أو أساطير عهد الفروسية، ينتخبون منها من وقائع الغرام بين بواسل الأبطال وفاتنات ربات الحجال ما يصوغونه شعراً سلساً، يضفون عليه ثوبا رقيقاً من الخيال، ويودعونه شغفهم المطلق بالجمال غير مقصور على امرأة واحدة، ولا على الوجه الإنساني، بل شاملاً لمحاسن الطبيعة أيضاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>