للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصور أشخاصه بسيطة إلا أن هذه البساطة غير متعمدة، فعيناه الحادتان كانتا تريان بوضوح وإن كان على عمق غير بعيد. ولقد كانتا فرصة سعيدة أن تريا ما هو ضروري للفكرة التي يرمي إليها. فهو حقاً يضع عينه على المرمى الذي نصبه أمامه، ولكنه ما كان يستطيع أن يرى أكثر من مرمى واحد في وقت واحد. فالمنظر الواحد، والجو المفاجئ، والباعث القاهر، كانت قوام مادته. وهذا هو السبب في أنه لم ينجح في القصة الطويلة كما نجح في القصيرة. ويقول موباسان: (الفنان يحاول أن ينجح أو يخيب، والناقد لا يحق له أن يقدر النتيجة دون أن يتتبع طبيعة المجهود، وليس له الحق في أن يشغل بالمؤثرات.) ولما كان يفرق بين الخيالي والواقعي، كان يصر على أن الواقعي يجب أن يكون (أكثر كمالاً، وأشد تأثيراً، وأتم انطباقاً، مثل الحقيقة نفسها.) وهو كمن سبقه من الكتاب النابهين لم يكن خيالياً فحسب ولا واقعياً فحسب، ولكن كان الاثنين معاً؛ وكانت عبقريته في أن يرى ما في الحقيقة من ابتداع

وتمتاز كتابته أيضاً بصحة وطلاوة وبساطة من الصعب تحليلها ولكن من السهل فهمها. وليس معنى ذلك أن سهولة فهمها للأجنبي تجعلها سهلة الترجمة. فالواقع إننا نجد أن أسهل الأعمال في كل لغة أصعبها في النقل، فقراءة هوميروس أسهل من قراءة (مآسي أثينا) إلا أنه لم ينجح في نقل هومير الشاعر الساحر إلى الآن أحد. وموباسان يعالج المحيط بنفس البساطة، فهو يضع منظره بدقة واختصار وتأثير، فإذا كان يصف طبيعة نورمانديا الفاتنة، أو أبهاء القرن الثامن عشر، فهو في الحالين سواء

وكان من أتباع المذهب الطبيعي يرمي دواماً إلى الحق، غير أن الحق الذي كان يتوصل إليه به قليل من الزيف. فلم يكن يحلل شخصياته، ولا يهتم بالأسباب الدافعة. فهم يتصرفون ولكنه لا يعرف إلى أي نهاية. وفيما يلي تعليله على حد قوله: (في رأيي أن التحليل النفسي في قصة طويلة أو قصيرة معناه هذا: أن أظهر الرجل الداخلي من حياته) حقاً هذا جميل، بل هو ما يفعله القصصيون أجمعون، ولكن الحركة لا تدل دواماً على الباعث. والنتيجة عند موباسان كانت تبسيطاً للشخصية، وهذا له أثره في القصة القصيرة، ولكنه عند إعمال الفكر يتركك غير مقتنع. وإذ ذاك تقول إن في الرجال من يفوق ذلك، هذا وقد كانت تتملكه الفكرة المنتشرة بين مواطنيه إذ ذاك، وهي أن الواجب على المرء لنفسه

<<  <  ج:
ص:  >  >>