للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من العرين الذي طالما رجفوا لذكره؟! هكذا ناجى الملك نفسه في حسرة ما بعدها حسرة. . . ثم أمر الجيش بالتجهز وسار على رأسه لملاقاة العدو المغير، وعسكر في مدينة المنصورة، وقد اتخذها قاعدة لحركات الجيش

ولكن قلبه كان دائماً يئن في حشرجة المذبوح من أثر الطعنة التي أصابته عند ما ألقي إليه نبا سقوط دمياط!! فما هي إلا فترة حتى اشتد عليه المرض، فحمل إلى قصره بجزيرة الروضة؛ وهناك وبين يدي المرأة التي أحبها وأخلص لها (شجرة الدر) أم ولده وولي عهده غياث الدين توران شاه فاضت روحه إلى ربها

وفي هذه اللحظة الرهيبة وقد نظرت شجرة الدر فإذا بمليك مصر وزوجها الأثير عليها مسجى على سرير الموت بين يديها، فتملكها الأسى على الفقيد العظيم، ولكنها سرعان ما أفاقت على صوت يهتف في أعماق نفسها. . . الوطن. . . الأعداء. . .! فولي العهد كان في تلك الأثناء ببلاد الشام ولم يبلغه بعد نبأ الرزء الفادح. وها هوذا العدو قد اقتحم أبواب البلاد متجهاً نحو العاصمة. فساءلت نفسها كيف يستطيع الجيش الثبات ومقاومة العدو إذا علم بموت الملك وفقدان الرأس المدبر؟ وهل تقاوم البلاد بغير رأس؟ إن الوطن في خطر فلابد من الحكمة والتبصر. . . وهنا لمعت في خاطرها فكرة جريئة. . . لا. . . يجب ألا يعلم الجيش بموت الملك. . . ثم خرجت من الحجرة وأشاعت أن الملك مريض ويرغب ألا يدخل عليه أحد؛ وأرسلت إلى قواد الجيش وأمرائه أن الملك يأمرهم بالتأهب للقاء العدو المغير في طريقه، بينما طيرت النبأ إلى ولي العهد ببلاد الشام بالقدوم على جناح السرعة. . .

أخذت الجيوش الفرنسية تخوض في أحشاء البلاد قاصدة المنصورة، والفزع يزداد يوماً بعد يوم، والاستعداد قائم على قدم وساق؛ في هذه الساعة العصيبة حضر ولي العهد توران شاه فأطلعته شجرة الدر على كل شيء وتسلم زمام الملك. فجمع الملك الشاب كل عزمه وأصدر أوامره للقواد، وعبأ الجيوش وتأهب لليوم العظيم. . . هذا هو يوم الفصل، فإما نصر لأوربا والجيوش الصليبية يملكها مصر وبيت المقدس، بل وقلاع الشرق جميعاً ويقضي على الإسلام في دياره قضاء مبرماً، وإما نصر لمصر يرد هذه الموجة الهائلة ويحمي ذمار الوطن والدين. وكم كانت مصر كالصخرة الهائلة تتكسر عليها أمواج الحملات الصليبية

<<  <  ج:
ص:  >  >>