للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتحطمك تحطيما

لقد أرهقتك هذه الحشرات السامة فخدشت جلدك وأسالت منه الدماء، وأنت تتحصن بكبرك لتكظم غيظك، وهي تود لو إنها تمتص كل دمك معتبرة أن من حقها أن تفعل لان دمها الضعيف يطلب دماً ليتقوى، فهي لا ترى جناحاً عليها إذ تنشب حمتها في جلدك. إن هذه الجروح الصغيرة لتذهب بالألم إلى مدى بعيد في حسك المرهف، فتتدفق صديداً يرتعيه الدود. أراك تتعالى عن أن تمد يدك لقتل هذه الحشرات الجائعة، فحاذر أن يجول سم استبدادها في دمك

إن هؤلاء المشاغبين يدورون حولك بطنين الذباب، فهم يرفعون أناشيدهم تزلفا إليك ليتحكموا في جلدك ودمك. انهم يتوسلون إليك ويداهنونك كما يداهنون الآلهة والشياطين، فيحتالون عليك بالملاطفة والثناء، وما يحتال غير الجبناء

انهم يفكرون بك كثيراً في سرهم فيلقون الشكوك عليك، وكل من يفكر الناس به كثيراً تحوم حوله الشبهات

انهم يعاقبونك على كل فضيلة فيك ولا يغتفرون لك من صميم فؤاد هم إلا ما ترتكب من أخطاء. انك لكريم وعادل، لذلك تقول في قلبك: (إن هؤلاء الناس أبرياء وقد ضاقت عليهم الحياة) ولكن نفوسهم الضيقة تقول في نجواها: (إن كل حياة عظيمة إنما هي حياة مجرمة) ويشعر هؤلاء الناس بأنك تحتقرهم عندما تشملهم بعطفك، فيبادلونك عطفك بالسيئات. انك لتصدعهم بفضيلتك الصامتة فلا يفرحون إلا عندما يتناهى تواضعك فيستحيل غروراً. إن الناس يطمحون بالطبع إلى الهاب كل عاطفة تبدو لهم، فأحذر الصعاليك لأنهم يحسون بصغارهم أمامك فيتحمسون حتى ينقلب إحساسهم كرها وانتقاماً

أفما شعرت انهم يخرسون عندما تطلع عليهم، فتبارحهم قواهم كما يبرح الدخان النار إذا همدت

اجل ياصديقي، ما انت إلا تبكيت في ضمائر أبناء جلدتك لأنهم ليسوا أهلا لك، فهم لذلك يكرهونك ويودون امتصاص دمك

إن أبناء جلدتك لن يبرحوا كالحشرات المسمومة لان العظمة فيك ستزيد أبداً في كرههم لك

إلى عزلتك، يا صديقي، إلى الأعالي حيث تهب رصينات الرياح، فانك لم تخلق لتكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>