للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(لغة الأم)؛ وعرضنا الجدولين على أحد المربين دون أن نخبره بماهيتها، فلا شك عندنا في أنه عندما يقارن هذين الجدولين بعضهما ببعض، سيظن أن كل واحد منهما يعود إلى مملكة، وسيجزم بأن هاتين المملكتين تختلفان اختلافاً كلياً من حيث الحاجات والتقاليد والنزعات. وإذا أخبرناه بأن هذين الجدولين يعودان إلى مملكة واحدة، فسيقول بدون تردد (إذن يجب أن يكونا عائدين إلى دورين مختلفين من الأدوار التي مرت عليها حياة تلك المملكة)، وسيظن أن هذين الدورين ينفصل بعضها عن بعض بتطورات خطيرة وانقلابات عظيمة؛ وعلى كل حال سوف لا يتصور قط أن هذين الجدولين يمثلان مناهج الدراسة المتبعة في نوعين من المدارس التي تربي أبناء جيل واحد في مملكة واحدة بل في مدينة واحدة.

وفي الواقع تصوروا جارين يسكنان في محلة واحدة، وافرضوا أن لكل منهما طفلاً في التاسعة من العمر، غير أن الأول قد أرسل ابنه إلى مدرسة ابتدائية في حين أن الثاني أرسل ابنه إلى مدرسة أولية أو إلى مكتب عام؛ ثم قارنوا بين الدروس التي سيتلقاها كل واحد منهما، تجدوا أن الأول سيخصص ستة في المائة من أوقات دراسته لتعليم الدين والقرآن، في حين أن الثاني سيخصص ثمانية وعشرين في المائة من مجموع أوقات دراسته لنفس الموضوع، كما أن هذه الأوقات ستصل إلى أربعين في المائة إذا ذهب الطفل إلى أحد المكاتب العامة؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأول سيخصص خمس مجموع أوقات دراسته لتعليم اللغة الإنكليزية، وسيبدأ بدراسة تلك اللغة قبل أن يبدأ بتعلم قواعد اللغة العربية نفسها؛ في حين أن الثاني سوف لا يتعلم شيئاً منها طول مدة دراسته المقبلة. وعلاوة على كل ذلك، فإن الأول سيخصص اكثر من ربع أوقات دراسته للرسم والأشغال اليدوية والتربية البدنية، في حين أن حظ الثاني من هذه التمارين والأعمال سيكون شبيهاً بالعدم.

وإذا لاحظنا مدى تأثير هذه الفروق العظيمة على عقلية الأطفال ونفسياتهم، وجب علينا أن نقول: إن نظام التعليم المتبع في مصر لا يساعد على تكوين (جيل موحد الشعور).

كان يوجد في البلاد الغربية أيضا بعض الفروق بين مناهج الفصول الابتدائية التابعة للمدارس الثانوية وبين مناهج المدارس الابتدائية المستقلة عنها، غير أن تلك الفروق كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>