للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأشياء، فإذا وصلنا في النهاية إلى النتيجة التي أدركناها بالتأمل الأول كان لنا أن النتائج الواحدة تتبع الأسباب الواحدة، وهكذا أوجدنا قانوناً، وعملنا علماً!

على أن أهواء (الرومانتيكيين) لم تكن أبسط ولا أسهل من هذه البحوث العنيفة التي يشبهها زولا بحقائق علمية يختلقها رجل الأدب كما يشاء هواه لكي يصل إلى النتائج التي تلائم فكرته وغايته. وأحكام زولا العلمية لم تكن أكثر جداً من بحوثه.

وقد وضع زولا قصصه سائراً على طريقته بصبر وجلد، لا يعرف الملل، وقد عمل على الذهاب من المبدأ إلى النتائج، فبعض أشخاصه تؤثر فيهم عوامل الوراثة، وبعضهم لا يستطيعون فراراً من تأثير الأوساط والظروف وبهذا لم تظهر الفضيلة عنده كمثل مستقل وإنما الفضيلة تحتاج إلى الوراثة والى تأثير الأوساط والظروف كما هو الحال في الرذيلة التي تنشأ بهذا التأثير.

طبع المؤلف وعبقريته

لقد كان طبع زولا أشد وأقوى من تعاليمه الفلسفية، وقد كانت آثاره الأولى تفيض عاطفة ورقة. لق كان كاتباً رومانتيكياً! وهو لا يجهل ذلك في نفسه. فلقد أخذ عهداً على نفسه بأن يكون واقعياً وطبيعياً، وطلب إلى القصصي أن يكون ذا عاطفة، تموج في صدره كل العواطف حيث لا تغنيه عاطفة التأمل والتحليل وحدها. ولقد كانت تموج في صدر زولا العواطف على اختلافها: العواطف الاجتماعية، والعواطف النبيلة. ولقد كان جمهورياً ثم صار اجتماعياً فاشتراكياً. وله هذه الجملة المأثورة (الجمهورية ستكون واقعية أو لن تكون). فكان من وراء ذلك إن رأى في الأغنياء والأسياد والمثرين رجالاً لؤماء وأرواحاً قاسية وعقولاً منحطة، ولا ينزل النبل والشرف والحقيقة إلا منازل رجال الشعب والفنانين والمفكرين المؤمنين بالجمهورية الواقعية. وفي استطاعتنا أن نناقش هذه الأفكار ولكنها بجملتها تصل بنا إلى بعض الأنانية والحمق، والى الإشفاق على البؤس والبؤساء.

إن الصورة التي صور بها - زولا - الإنسانية صورة مظلمة الألوان، تحمل في طياتها اليأس والوجوم، تتلخص هذه الصورة في أنها مجموعة مظلمة للعيوب والخبث والرياء، وجهود دائبة تبعث على الإشفاق تذهب مذهب العنف في قتال الفاقة الروحية والجسدي؛ على أن زولا برغم ذلك كله يعتقد أن هذا النضال شريف وعظيم، يبشر بمستقبل خير من

<<  <  ج:
ص:  >  >>