للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحاضر ويعلن أن الحياة الحرة المخصبة هي التي ستظفر وتنتصر. وتراه قبل كتابة (أناجيله العاطفية) كان يعتقد بجمال الحياة، هذا الجمال الذي هو عنوان قصه له، إن جمال الحياة سينتصر على كل شناعة فيها، وسيغلب على كل مناسك وشعائر لا تبعث إلا على الزهد والفرار من الحياة وسيقهر المذاهب المسممة. الحياة وحدها ستكون جميلة لأنها ستكون صادق مبدعة. وهكذا تجد زولا يتشاءم ويطغي عليه تشاؤمه تلوح خلاله لمعات الرجاء، ويمشي فيه شعاع التفاؤل

ولزولا مخيلة قوية وثابة. إن الشيء الذي يحبه حباً جماً هو مشهد الحياة. يحب الشناعة فيها والرذيلة والفساد أيضاً، أليس هو مشهداً من مشاهدها؟ وإن مشهد الحياة يجمل بنفسه حيث يبدو مجموعة صور تتجلى فيها لجبة الحياة، وفي الحق لا تظهر عبقرية زولا وفي الحق لا تظهر عبقرية زولا إلا في هذا القدرة على التخيل. وان هوجو وفلوبير قد وصفا الجماعات في حركتها، وفي عراكها وصراعها، ولكنه وصف ينشأ حول أبطال القصة ولا يدخل في أنفسهم. أما زولا فقد بدل هذا النظام، وترك الحياة المضطربة المبهمة تسود جو القصة كلها. فهنالك صور كبيرة تهيمن على الجماهير، وهنالك كائنات سرية عظيمة كأنها تحيا باضطراب الجماعات، وأن عالماً ضخماً واسع الحدود، ذا لجب وصخب، مبهم التفسير، يفتش ويتحرى ويجد تأويل نفسه في هذا الرمز يبدو - طوراً - كصورة عنه، وتارة كوهم باطل!

وقام لزولا منتمون لمدرسته، أخذوا بمبادئه الأدبية وهجروا مبادئه الفلسفية، فلم يشاءوا أن يجعلوا تأريخ البشرية مقيداً بتاريخ الوراثة والأدواء الكحولية، ولم يعتقدوا بأن القصة إنما تكون تجربة فسيولوجية اجتماعية. . . فعادوا إلى المصادر التي صدر عنها زولا، والى الواقعية التي أقتبسها من فلوبير وكونكور، ورأوا أن كل ما فيه اختلاق هو افتراء، ورأوا ألزم شيء التحدث عن شيء لاحظناه، ولو أن الحياة قدمت لنا مشاهد نادرة الوقوع فمن الواجب أن نهملها لأنها افتراء! مادة الرواية هي مادة كل يوم، هي مادة كل شيء لا ابتداء له ولا انتهاء، مادة كل ما يمكن وقوعه كل يوم في كل كون، والحياة التي تتمثل لنا كل يوم وفيكل كون هي حياة فيها القبح والشنيع، أما الجمال والفضيلة فهما صفتان نادرتان، أو أقل هما مستحيلان، وهما مما لا يصح اتخاذه موضوع القصة، القصة التي تعرض الشناعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>