للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طوال القصة في معالمها الكبرى واسطرها الواضحة، بل في تفاصيلها الدقيقة وما بين هذه الأسطر، وما بين تضاعيف القصة من حوادث وصروف.

كلهم يحب وكلهم يعمر بالأمل قلبه حتى (زنوبة) هذه العانس التي فاتها سن الزواج فما تجد حيلة إلا الاستعانة بالسحر والسحرة في خفاء وحذر، خشية أن يعلم أهلها عليها أمراً لا يناسب الوقار والاحتشام، وما يجب أن تتصف به من الرزانة والأدب، كلهم يحب حتى (مبروك) الخادم أو من هو كالخادم، وما أشبهه بزنوبة في بساطة العقل أو قل في تفاهته، وانه ليسرع في شراء (نظارة) لتتم له الصورة التي تخيلتها له الفتاة التي أحبها الجميع، وساهم هو في حبها ولو بقسط ضئيل. وهذا (محسن) بطلنا الأول، الطالب في مستهل دراسته الثانوية، الناشئ في مستهل شبابه، وفي أول خطى العمر الغض، ما أجدره بالحب وأخلق بقلبه الفتي أن يفتح مصراعيه لأول طارق وأن يصيبه السهم الأول فيدميه ويجرحه جرح الأبد. ذلك هو الجرح الأول الذي لا يفتأ على الأيام يؤلم ويدمي. (محسن) يحب ولكن على استحياء وخجل. وفي صمت وكتمان. فاذا لمح بادرة أمل راح والدنيا لا تتسع لنشوته. وإذا داخله اليأس أفعم نفسه وروحه وضاقت الدنيا في عينيه، لا يعرف مداخل الرجل إلى قلب المرأة، ولا يدري كيف يغزو الغزاة هذا الحصن ويحسنون الطرق على أبوابه حتى تتفتح لهم عن جنات ورياض من الأمل الباسم والسعادة الشاملة، وما أروع هذا الاستسلام يطغى على قلبه، وهذا الألم يحز في قرارة نفسه، وتجده في ضريح السيدة يمسك بقضبان الضريح النحاسية ولا تنفرج شفتاه إلا عن هذه الصرخة المكتومة والضراعة اليائسة وملؤها الرجاء والإيمان المطلق (يا سيدة زينب!) ثم يطفر الدمع من عينه ويبكي ما شاء الله له أن يبكي، وما شاء له الحب اليائس والنفس الحزينة، والأمل المقطوع. وما ادري كيف كان يمكن أن يشعرك المؤلف بكل ما يختلج في صدر محسن من ألم محض وأسى قتال بأكثر من أن ينطقه بهذا ولا شيء غيره. فنتضمن الجملة القصيرة أو هذه المفاجأة الرائعة إذا أردت، كل ما تسعه المخيلة القوية الوثابة من اليأس والرجاء، والأمل والفشل، ثم الإيمان الذي يعمر القلب ويتغلغل إلى أعمق نواحيه وأغواره.

ولو شئت أن اضرب لك الأمثال على قوة تصوير المؤلف لمواقف أبطال قصته، وعلى دقته في الصور التي يعرضها عليك لشتى ضروب انفعالات النفس الإنسانية، وعلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>