للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن المعجم هنا لا يفيدهم شيئاً إلا إذا نطق. . .

ولقد ابتليت هذه الأمة في عهدها الأخير بحب السهولة مما أثر فيها الاحتلال وسياسته وتحمله الأعباء عنها واستهدافه دونها للخطر، فشبه العامية في لغة الصحف وفي أخبارها وفي طريقها إنما هو صورة من سهولة تلك الحياة، وكأنه تثبيت للضعف والخور، وأنت خبير أن كل شيء يتحول بما تحدث له طبيعته عالياً أو نازلاً، فقد تحولت السهولة من شبه العامية إلى نصف العامية في كتابة أكثر المجلات وفي رسائل طلبة المدارس، حتى لتبدو المقالة في ألفاظها ومعانيها كأنها القنفذ أراد أن يحمل مأكلة صغاره، فقرض عنقوداً من العنب، فألقاه في الأرض وأتربه وتمرغ فيه، ثم مشى يحمل كل حبة مرضوضة في عشرين إبرة من شوكه.

ثم مد أبو عثمان يده فتناول مجلة مما أمامه وقعت يده عليها اتفاقاً، ثم دفعها إلي وقال: اقرأ ولا تجاوز عنوان كل مقالة. فقرأت هذه العناوين:

(مسئولية طبيب عن فتاة عذراء)، (مودة الراقصات الصينيات)، (تخر مغشياً عليها لأنهم اكتشفوا صورة حبيبها)، (هل يعتبر قبول الهدية دليلا على الحب، وإذا كانت ملابس داخلية. . . فهل تعتبر وعدا بالزواج؟)، (هل يحق للأب أن يطالب صديق ابنته. . . بتعويض إذا كانت ابنته غير شرعية)، (بين خطيبتين لشاب واحد)، (بعد أن قص على زوجته أخبار السهرة. . . لماذا أطلقت عليه الرصاص؟)، (عروس تأخذ (شبكة) من شابين ثم تطردهما)، (زوجة الموظف أين ذهبت)، (لماذا خطفت العروس في اليوم المحدد للزفاف؟)، (في الطريق - حب بالإكراه)، (فلانون وفلانات، زواج وطلاق، وأخبار المراقص، وحوادث أماكن الدعارة الخ الخ.

فقال أبو عثمان: هذه هي حرية النشر؛ ولئن كان هذا طبيعيا في قانون الصحافة إنه لأثم كبير في قانون التربية؛ فإن الأحداث والضعفاء يجدونه عند أنفسهم كالتخيير بين الأخذ بالواجب وبين تركه، ولا يفهمون من جواز نشره إلا هذا. (وباب آخر من هذا الشكل فبكم أعظم حاجة إلى أن تعرفوه وتقفوا عنده، وهو ما يصنع الخبر ولاسيما إذا صادف من السامع قلة تجربة، فإن قرن بين قلة التجربة وقلة التحفظ - دخل ذلك الخبر إلى مستقره من القلب دخولا سهلا، وصادف موضعاً وطيئاً وطبيعة قابلة ونفساً ساكنة، ومتى صادف

<<  <  ج:
ص:  >  >>