للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فيه اللورد بالفور عند ما قال في وصف أثر العلم الحديث في تغير نظر الإنسان إلى الحياة: (إن العلم الحديث يعلم الإنسان أن الدنيا لم تخلق من أجله، وأنه ليس تاج الخليقة ولا أنه من سلالة من سكن الجنان قديماً، وأن حياته جاءت عفوا، وأن تاريخه قصة عار وحادثة لا تشرف من حوادث أحقر نجم سيار، وأنه مملوء بالأسقام والآثام والمجاعات والقتل والقسوة، وأن الإنسان بعد آلام لا تحصى قد صار له من الضمير ما يعرف به حقارة نفسه، ومن العقل ما يدرك به أنه مخلوق تافه، وأنه بعد عصور طويلة في ذاتها قصيرة بالنسبة إلى ما مضى من العصور الجيولوجية سينمحي بهاء الشمس ورونقها، ولا تسمح الأرض ببقاء ذلك المخلوق الذي أقلق هدأتها، فيفنى الإنسان وتفنى معه آراؤه وأفكاره كلها، فكأنما كان عمله وذكاؤه وإيمانه وآلامه وجهاده في عصور حياته الطويلة عبثاً ومن غير جدوى)

ثم إن العلم الحديث يقول أيضاً إنه على فرض تحقق السلم والخير الشامل، وعلى فرض انمحاء الشر، فإن هذه حالة تؤدي إلى تدهور الإنسانية، لأن الخير في مقاتلة الشر، والذكاء مستنبط من الخوف والحذر من الجوع ومن اعتداء القوي، فإذا انمحى الخوف والحذر والشر والاعتداء ضعفت الإنسانية وتدهورت وتردت في هاوية الفناء

ولعل تلستوي قد نظر أيضاً إلى ما نظر إليه ادن فلبوتس القصصي الإنجليزي في وصف أثر هذه الآراء كلها في المجرمين في أوروبا والولايات المتحدة وغيرهما. فإذا كان تلستوي بعد ذلك النظر قد رفض أكثر هذه الآراء العلمية فليس رفضه دليلا على الانحطاط كما قال ماكس نورداو بل هو من حيرة المفكر الذي يتهدى.

ولعل تلستوي في استعراضه تاريخ العاطفة الجنسية ومحتملاتها ونفاقها وأكاذيبها وآثامها ونظمها على اختلاف تلك النظم ولعله أيضاً عند استعراض تلك الآراء والنظم العلمية الحديثة قد نظر إلى قول القائلين إن العاطفة الجنسية والعلم الحديث هما كالماء الذي تضعه في الإناء القذر فيصير قذراً، وتضعه في الإناء النظيف فيكون نظيفاً، والآنية تختلف كاختلاف النفوس واصل الماء واحد سواء الذي وضع في الإناء القذر والذي وضع في الإناء النظيف.

ولكن لعل تلستوي أيضاً قد فطن إلى أن هذا تشبيه لا اقل ولا أكثر، وأنه عند امتحان

<<  <  ج:
ص:  >  >>