للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أن عمر رضي الله عنه لقوة شخصيته ومضاء عزيمته لا يكاد يخفى، فقد كان يمثل الجانب القوي المغامر الطماح، من الجبهة الإسلامية، لا يرضى بالهوادة ولا يعرف اللين، ولا تأخذه في الله شفقة ولا ملامة

كان يأبى أن توقع معاهدة الحديبية، ويلح على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمد إلى الحرب: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؛ فعلام نعطي الدنية في ديننا؟

فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن الخطاب! إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدا

فيشتد عليه الأمر، ويضيق به صبره، فيذهب إلى أبي بكر وقد عجز الصحابة كلهم عن احتمال المحنة - إلا أبا بكر. فيقول له: يا ابن الخطاب. انه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا. . .

فلا يقنع عمر ولا يرضى، ولكنه يسمع مكرهاً ويطيع، حتى إذا مرت الأيام، ووضحت حكمة النبوة، وكان الفتح، أدرك عمر سمو رأي النبي صلى الله عليه وسلم، فمازال يتصدق ويصوم ويصلي ويعتق، مخافة كلامه يومئذ، حتى رجا أن يكون خيراً. على أن عمر لم يعارض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعصه ولكنه رأي رآه واجتهاد اجتهده؛ فكان يأمل موافقة ربه سبحانه وتعالى، كما سبق له أمثالها، وقد كانت طاعته للنبي صلى الله عليه وسلم معروفة، وكان يؤثر رضاه على رضاه، ولقد أقسم عمر - باراً - أن إسلام العباس يوم أسلم كان أحب إليه من إسلام أبيه الخطاب لو أسلم، لأن إسلام العباس أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من أهله وولده، ومن نفسه التي بين جنبيه

- ٩ -

أنجز الله وعده. فظهر الإسلام وغلب وعم الجزيرة، ودان له العرب كلهم، واجتمعوا في عرفات، في المؤتمر الأعظم، فأنزل الله آخر آية من القرآن، آخر مادة من الدستور الخالد: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فاحتفلوا بكمال الدين، وتمام النعمة، وقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً مودعاً، وأعلن (حقوق الإنسان)

<<  <  ج:
ص:  >  >>