للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالزهاوي كان كالبحتري شديد الزهو والإعجاب بشعره لأنه مرآة حقيقية تنعكس عليه نفسه الشفافة وقلبه الطيب:

إنني إن بكيت أبكي بشعري ... ولقد أهديه إلى الأحقابِ

كل بيت منه إذا عصروه ... دمعة ثرَّة على الآدابِ

بين شعري، وما يجيش بصدري ... من شعور وشائج الأنسابِ

أنا عنه محدث وهو عني ... وكلانا في القول غيرُ محابِ

أما قريضي هذا ... فإنه نفاثُ

شعر له من شعوري ... والصدقِ مستنداتُ

وإنما صقلته ... الخطوبُ والنكباتُ

والزهاوي، بالرغم من إعجابه بشعره وأيمانه بأنه شاعر الأجيال وأن شعره خالد لا يموت يعترف بأنه لم يكن دائم التحليق، بل أنه كثيراً ما كان يُسِف تبعاً لحالته النفسية. . .

يا شعرُ أنت سماءٌ ... أطير فيها بفكري

طوراً أسِف وطوراً ... أعلو كتحليق نسرِ

إن لم تصور شعوري ... فلست يا شعر شعري

من بعد موتي بحين ... سيعلم القومُ قدري

فقد وقفت حياتي ... لهم وأفنيتُ عمري

ويكاد يخلو شعر الزهاوي من الغزل التشبيب، والتغني بمحاسن الحبيب، وتبيان ما يقاسيه المحبون من ضروب الآلام والأسقام، ووصف ما يتكبدونه من عذاب الهجر، وألم الحرمان ولوعة الأسى وحلاوة الوصل، وأكبر الظن أنه لم يتح له أن يدخل في شبابه في زمرة المحبين، لانشغاله في نشر رسالته، وأما ما نقرؤه في هذا السبيل فقلما يثير إعجابنا أو يستدر عطفنا ورحمتنا، وإذا ما تغزل بغادته (ليلى) فإنما كان يتغزل بوطنه

ولعل خير قصائده الغرامية هي القصيدة التي يصف فيها الحب. . .

أولُ الحب في القلوب شرَاره ... تختفي تارة وتظهرُ تاره

ثم يرقى، حتى يكون سِراجاً ... لذويه، فيه هدى وإناره

ثم يرقى، حتى يكون مع الأي ... ام ناراً حمراء ذاتَ حراره

<<  <  ج:
ص:  >  >>