للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب المقارن]

الحرب

في الأدبين العربي والإنكليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

حب الحياة والإقبال على متعاتها والرغبة في التكثر من خيراتها مركب في طبائع الأحياء. وليس لحاجات الحي ورغباته ومطامحه نهاية، بل تبقى له حاجة ما بقى كما قال الشاعر؛ والنزاع بين الأحياء على خيرات الحياة من اجل ذلك متصل لا يفتر، وهيهات يفتر وحب الخلاف والنزاع والجلاد ذاته بعض طبائع الأحياء، والشغف بالقلب والتخايل بالقوة والزهو بالسيادة من اكبر مطامع الأحياء والإنسان خاصة ومن ثم عرف الإنسان الحرب من أول عصوره واشتغل منذ همجيته بمكافحة الأحياء من الوحوش ومن أبناء جنسه، وتم له النصر من قديم على أمة الوحوش، وما تزال معارك الإنسان مع أخيه - أو عدوه - الإنسان متصلة تشب بين حين وحين

وقد كابد الإنسان في شتى العصور أهوال الحروب وعلم علم اليقين عواقبها الوخيمة؛ بيد أنه لم يستطع بعد أن ينبذها، لقيامها على غرائز في طبعه راسخة متأصلة، ولما تليح به أمام عينه من مزايا النصر ومغانمه ومجده ولألائه، ومن ثم كانت مهمة دعاة السلم من أشق المهام ومطالبهم من أبعد المطالب، وقد هبوا في الفترة بعد الفترة ينددون بالحرب وبلاياها ومغباتها. فكانت صيحاتهم تترك صداها في نفوس الكثيرين، ولاسيما في أعقاب الحروب الطاحنة التي أهلكت الحرث والنسل، ثم لا تلبث غرائز الإنسان الفطرية أن تعاوده على أشدها، وتبدأ الأمم سيرتها الأولى من الطمع والتفاني وتحكم القوة التي لا يفصل سواها بين المطامع المتضاربة

وللحرب آثارها المشهودة في أدب كل أمة بلا استثناء. ولتلك الآثار ثلاث نواح: فالحرب أولا من أهم وسائل اتصال الأمم واختلاط الأفكار وتلاقح الثقافات؛ وهي ثانياً وحي الجم الغفير من نظم الشعراء ونثر الكتاب الواصفين لوقائعها وسلاحها ورجالها، الممجدين لأبطالها وانتصاراتهم، المفاخرين بما كان دحر الأعداء وحماية الدمار وسلامة الشرف

<<  <  ج:
ص:  >  >>