للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومع أن النفس تستهجن هذه الطريقة المتعبة في الانتقام والأخذ بالثأر إلا أن مغبتها إيجابية في صد أولئك العابثين الذين لولا تلك الخطة - لأطلقوا لغرائزهم المجرمة العنان، ولم يكبحوا لها جماحا، إذ لا يخشون إذ ذاك رادعاً أو إلا، ولا يصدهم إرهاب، أما من وجهة نظرنا نحن فان قيمة هذا الأمر لا تهمنا من حيث هو أحد الأسس الأولية في إقامة دعائم صرح المجتمع العربي بقدر ما تهمنا من أنه يكون عنصرا من عناصر الحياة العربية والأدب العربي، ولذلك فقد اخترت من كتاب الأغاني قصة تنعكس فيها هذه الصور بأكملها، تلك هي قصة قيس بن الخطيم وكيف انتقم ممن اغتالوا أباه وجده.

والقصائد التي يرد فيها ذكر الانتقام والأخذ بالثأر للدم المهراق تكشف القناع عن كل ما هو مستحسن ومستهجن في العربي الوثني، منجده من ناحية يصور لنا شجاعته وعزمه واحتقاره للموت وخوفه من العار وتبجيله الموتى واحترامه إياهم وعطفه الجدّي على ذوي قرباه ومن كانوا من لحمه ودمه، ومن ناحية أخرى نجده يصور نفسه المضطغنة، وقسوته وغدره، وضراوته في تعقب القتلة، وإن القصيدة التي تجسم لنا هذه الصفات كلها هي القصيدة المنسوبة إلى (تأبط شرّاً) وإن كان البعض يزعم أن صاحبها (خلف الأحمر) المنشئ المعروف لقطعة الشنفري، والمقلد البارع الباهر للشعراء القدامى

(يتبع)

حسن حبشي

<<  <  ج:
ص:  >  >>