للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويجاهر برأيه في الدين:

تحيرت لا أدري أمام الحقائق ... أأني خلقت الله أم هو خالقي

فتضج الناس بالشكوى وتتبرم ويضيق به الأمر فيلزم داره أو يهجر بلده ويودع ليلاه لائذاً بمصر من غضب الناس نادباً لياليه في بغداد ولكنه لم يلبث أن يجهر برأيه هنا وينشد القوم:

وسائلتي هل بعد أن يعبث البلى ... بأجسادنا نحيا طويلاً ونرزق

وهيهات لا ترجى حياة لميت ... إليه البلى في قبره يتطرق

تقولين يفنى الجسم والروح خالد ... فهل بخلود الروح عندك موثق

فتتنزى الشيوخ من الغيظ ويثور الجمهور فإذا بالناس فريقان فريق له وفريق عليه حتى يضيق به الأمر فيعود إلى بلده وقد سكن روع الناس وعز عليهم أن يلجئوا الشيخ إلى الفرار فيناله المكروه في سبيل ذلك وهو الشاعر الذي ينطق بآمالهم وآلامهم ويحفزهم إلى المجد، غير مبال بعوده الذابل وجسمه الذاوي، حتى ألف الناس منه هذه البسالة والجرأة والتف حوله الشباب وهو يدفع بهم إلى الثورة ويلوح لهم بكل جديد في الرأي وطريف في الفكر تلويحاً يدفع به أحياناً إلى تحميل الشعر والأدب ما لا طاقة لهما به فيزج العلم في ساحة الشعر فيمهد بذلك السبيل لخصومه ومنكري شاعريته فيحتجون عليه بمثل قوله:

ليست الشمس من الشر ... ق إلى الغرب تدور

إنما الأرض من الغر ... ب إلى الشرق تسير

وما كان بالعلم من حاجة إلا من ينظمه لنا شعراً إلا حاجة في نفس الشيخ قضاها

ولقد كنا نقرا له القصيدة فنلمس وجدان الشاعر الموهوب في ألفاظ الشاعر المطبوع وأفكار الشاعر الفيلسوف فنطرب لها، ثم نقرأ له القصيدة وقد أقحم فيها العلم إقحاماً فنقف ننافح الخصوم عما فيها من نظريات وآراء تلهيهم بذلك عن زلة الشاعر ونخرج بهم من نقد هذه الزلة إلى تأييد الفكرة والبرهان وننعى عليهم جموداً في الرأي وضيقاً في الصدر ولولا تجاوزهم حدود النقد إلى التحامل لما تجاوزنا حدود الدفاع إلى المكر.

وإذا كان في اختيار الألفاظ الجزلة للمعاني السامية ما يدل على صفاء نفس الشاعر وطول باعه ودقة إحساسه وتمييزه وقع الألفاظ وموسيقاها فقد كان شاعرنا في اختيار الألفاظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>