للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[النقد]

لاتينيون وسكسونيون

أترضى أم نسخط حين تعنى الصحف السيارة بالأدب والنقد وحين تتفق مع كبار الأدباء والنقاد على أن يحرروا لها ما تحتاج إليه من الفصول فيهما؟ في ذلك ما يدعو إلى الرضى من غير شك فهذه الصحف السيارة منتشرة وهي اشد إنتشاراً من الكتب وأدنى إلى نفوس الناس وعقولهم والى عيونهم وآذانهم من المحاضرات والأحاديث فهي إذا تخدم الأدب والنقد حين تذيع رسالتهما في اكثر عدد ممكن من الناس، وهي إذا تخدم الناس حين تنشر فيهم الثقافة الأدبية وترفع دهماءهم إلى حيث يستطيعون أن يروا ويذوقوا جمال الأدب الرائع وآيات الفن الرفيع. وهي لهذا وذاك تخدم الأدباء والنقاد أنفسهم لأنها تعرفهم إلى اكبر عدد ممكن من الناس في أقطار مختلفة من الأرض فترفع ذكرهم وتعلي قدرهم وتنشر دعوتهم وتكسب لهم الأنصار والمؤيدين وهي بعد هذا كله وقبل هذا كله تخدم نفسها حين تستعين بالأدباء والنقاد على كسب القراء وتستعين برضى القراء على احتكار الأدباء والنقاد. كل هذا حق ولكن هناك حقا آخر يظهر أن ليس من سبيل إلى الشك فيه وهو أن عناية الصحف السيارة بالأدب والنقد لا تخلو من ضرر، ومن ضرر قد لا يكون قليلا. فالأدب والنقد في حاجة إلى الأناة والروية وإمعان التدبر وإطالة التفكير فإذا لم يظفر الأدب والنقد بهذا كله فهما عرضة للضعف والفتور وهما عرضة للتقصير والقصور وهما عرضة لتجاوز الحق والتورط في الباطل وهما عرضة لهذا كله للإساءة إلى أنفسهما وللإساءة إلى الأدباء وللإساءة إلى القراء أنفسهم. فإنما يكون الخير في نشر الأدب والنقد إذا نشرا على وجههما جميلين رفيعين منصفين متبرئين من هذه العيوب التي تفسد جمال الفنون العليا. وأظنك لا تخالفني في أن حياة الصحف السيارة وضروراتها وحاجتها القاهرة إلى أن تظهر في نظام وتصدر في وقت معين وتعطي قراءها ما تعودت أن تعطيهم في كل يوم أبعد الأشياء عن ملاءمة ما يحتاج إليه الأدب والنقد من الأناة والروية ومن التدبر وإطالة التفكير. ولعلك قرأت في بعض الكتب التي قصت علينا حياة أناتول فرانس وفصلت لنا بعد موته أطرافا من سيرته وأطواره في حياته الأدبية أنه شقي بهذا ثم تعوده فسخر منه وازدرى الصحف والأدب والقراء ونفسه أيضاً وعبث بهذا كله. فكان في بعض الأحيان

<<  <  ج:
ص:  >  >>