للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- لقد بلغ الغار، فوقف فيه يودع هذه الجماعة السخيفة، التي جاءها أعظم رجل، بأعظم مبدأ، فلم تفهم منه شيئا، وحسبت أنها تستطيع القضاء عليه، فهي تريد أن ترد النبي فتقتله أو تسجنه، فهي تبعث رسلها، يفتشون عنه في أنحاء البادية، وشعاب الجبال، ومنعرجات الأودية، وينفضونها نفضاً، ولكنهم يعمون عن هذا الغار العالي المكشوف الذي يطل منه سيد العالم

- أهؤلاء يحرمون البشر من العصر الذهبي المرتقب؟ ويقضون على الأمل الوحيد الذي تعيش به ملايين الخلائق؟ يا للمجرمين، يا للجاهلين المغترين!

وتفرق الناس يهتفون في كل مكان باسم المنقذ الأعظم، باسم النبي!

وانتبه (عبد الله) فإذا هو قد تأخر، وضل الطريق، فصحا من ذهوله، وتسلق الصخر مسرعا نحو الغار، لقد فهم معنى الهجرة، التي لم تفهم قريش معناها - وحسبتها سفرا من مكة إلى المدينة، لقد علم أنها انتقال من الماضي الأسود الكئيب، إلى المستقبل المشرق المنير. . . فليقفز إلى الغار قفزا. . .

وبعد، فيا من ينعمون بحضارة القرن العشرين:. .

يا من يعرفون قيمة الفكر البشري، ويستمتعون بثمراته. . .

يا من يقدرون العدالة والحرية والمساواة. . .

لا تنسوا أبداً أن المنار الذي اهتدت به القافلة الضالة، والسفينة الحيرى، إنما خرج من ذلك الغار، فاذكروا دائماً عظمة هذه الغيران غار (حراء) إذ بزغت منه أنوار الديانة التي هذبت العقل الإنساني، وأرشدته إلى أقوم سبل الحقيقة والخير والجمال، وغار (ثور) إذ بدأت منه الموجة التي نسفت قصور الظالمين، وصروح العتاة، وقفت على الماضي السخيف، وحملت إلى العالم أسمى المبادئ وأعلاها، حين حملت إليه تعاليم حراء

إن هذه الغيران كعبة في التاريخ، لا ينبغ عقل ولا يمشي في طريق التفكير الصحيح، إلا بعد أن يطيف بها، ويقف عليها. . .

إن العالم قد سار نحو الكمال، يوم سار محمد (صلى الله عليه وسلم) نحو الغار. . .

إنه لولا الهجرة، ولولا الفتح الإسلامي. . . ما خرج العالم من الهوة، التي دفعته إليها أرستقراطية السادة الأشراف، وجبروت الملوك المستبدين. . . ولا كانت حضارة القرن

<<  <  ج:
ص:  >  >>