للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يلمسها حتى نفرت منه وصاحت به قائلة:

(أقول لك اتركني)

فلم يستطع أن يخالفها، فأبعد يده عنها، وتراجع، ناظرا نحوها، ثم تنفس نفسا طويلاً وخرج وفي قلبه حزن وقلق

وقضى ذلك اليوم موزع القلب كئيبا، حتى لحظ أصحابه كآبته، وعجب جنوده لجفائه ونفرته، فكان لا يأمر إلا متبرما غاضبا، ولا يسمع إلا متجهما ساهما، حتى عجب الناس من ذلك الغضب، في عقب الانتصار، ومن ذلك الضجر لمن كان مثله مكللا بالمجد والتوفيق. وما انتهى من عمله حتى أسرع إلى سرادق، ووقف هذه المرة مترددا وجلا، ودخل في رفق وخشوع إلى مكان الفتاة، فأبصرها على ما كانت عليه في الصباح، والخوان لا يزال إلى جانبها، قد تبدل طعامه، ولا يزال كاملا لم تنل منه شيئا

ونظر إليها مليا ثم قال برفق: (أما تكلمينني؟ إنني أرجوك أن تنظري إلى وتنطقي بما يجول في نفسك ولو كان قاسيا)

ثم مد يده إلى رأسها ومسح عليه متلطفا - ولكنها هذه المرة لم تثر ولم تغضب. وكأن نبرات صوته قد حملت إليها ما في فؤاده من حزن من أجلها. على أنها بقيت ساكنة، وهي جالسة في مكانة كئيبة.

فجلس إلى جوارها ساعة يحاول محادثتها وهي لا تجيب إلا بدمعة تثور بين حين وحين في عينيها فتمسحها بمنديل ثم تعود إلى وجومها وسكونها، فقال لها ولسان ينم عن مقدار عطفه وحزنه:

(إنني لا أريد إيلامك - لأنني لا أستطيع أن أراك متألمة - ولو كان ذهاب ألمك بإبعادك عني لفعلت. ألك أهل في عكا أو في مدينة أخرى من المدن فأرسلك إليهم؟ أن السلطان لن يرد لي طلبا إذا طلبت منه شيئا)

فلم تجبه حتى أعاد عليها القول راجيا مستعطفا - وكان أول ما قالته له أن هزت رأسها نحوه وقالت: (ليس لي أهل - قد قتلهم جميعا) ثم شهقت بالبكاء واسترسلت في هزة مريرة من الحزن

ولم يملك سلاميش نفسه من أن تجيش بالحزن ولكنه تمالك بعد قليل وهدأ من جأشه وقال

<<  <  ج:
ص:  >  >>