للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن كان أهبطها الإله لحكمة ... طويت عن الفذ اللبيب الأروع

فهبوطها لاشك ضربة لازب ... لتكون سامعة لما لم تسمع

وتعود عالمة بكل خفية ... في العالم فخرقها لم يرقع

ولا يقف ابن سينا عند هذا الشعر وهذا الخيال، بل يأبى ألا أن يبرهن على خلود الروح برهنة منطقية ويثبته إثباتاً فلسفياً، فيقرر أن النفس وهي جوهر بسيط لا يمكن أن تشتمل على مبدأين متناقضين، وقد ثبت أنها حياة بفطرتها وطبيعتها فلا يمكن أن يكون فيها أي استعداد للفناء. وفوق هذا سواء لديها أبقي الجسم أم فني، فإن صلتها به ليست صلة ارتباط وتلازم متبادل، بل صلة سيد ومسود ومالك ومملوك. ولن يضير السيد في شيء ما قد يلحق عبده من التغير، كما لا يؤثر في شخص المالك ما قد يطرأ على ملكيته من الفساد. فالنفس هي المتصرفة في البدن والمدبرة لأمره، ولن ينقلب الآمر مأموراً ولا المتأثر مؤثراً. بيد أن حظ ابن سينا في هذه البرهنة الفلسفية والأدلة العقلية ليس أعظم من حظ أفلاطون. فإن الجوهر البسيط الذي يفترضه هو موضع البحث والمنافسة ومثار الأخذ والرد، وصلته بالجسم لا تزال حتى اليوم عقدة العقد ومشكلة المشاكل؛ ولم يتوصل أنصار المذهب الروحي على اختلافهم إلى حلها أو الفصل فيها بقول جازم

ولقد تنبه (كانت) إلى هذا التهافت في البرهنة والقصور في الإثبات. فرفض في كتابه (نقد العقل المجرد) الأدلة التي تساق لإثبات خلود الروح وأبان أنها غير موصلة. وما كان للعقل أن يهتدي إلى شيء يقيني في دائرة الأمور المغيبة؛ وفي هذا ما يسمح للنقل أن يحتفظ لنفسه بمكان في جانبه، وما يهيئ للوحي والإلهام الفرصة أن يكملا نقص البحث والنظر. خصوصا والتبعة الأخلاقية لا قيام لها بدون الثواب والعقاب والحساب والمسئولية، والواجب في حاجة ماسة إلى تأييد الدين ونصرته. لهذا نرى (كانت) يعود في كتابه (نقد العقل العملي) فيحاول إثبات خلود الروح عن طريق الأخلاق بعد أن أظهر أنه لا يمكن إثباته فيما وراء الطبيعة. وذلك أن الخير الأسمى الذي ننشده والسعادة الحقة التي نسعى إليها لا سبيل إلى تحقيقهما في حياتنا الحاضرة القصيرة. فإن شئنا أن يكون للواجب الذي ننادي به قيمته وللأخلاق التي ندعو إليها جلالها وحرمتها فلابد أن نجزم بخلود الروح. ولاسيما والعدالة تأبى كل الأباء أن يكون جزاء الفضيلة هو الإعدام، وأن يستوي البر

<<  <  ج:
ص:  >  >>